اخر الأخبار

كيف ندعو بعض رجال الكهنوت بعبارة (سيدنا)



الكهنوت والسيادة: كيف ندعو بعض رجال الكهنوت بعبارة (سيدنا)، بينما لا يوجد سوى سيد واحد هو الله. وقد قال السيد المسيح :
"أما أنتم فلا تدعوا سيدي، لأن معلمكم واحد هو المسيح" (مت 23: 8)؟


1- قال السيد المسيح هذه العبارة في مجال نقده لكبرياء الكتبة والفريسيين، الذين "يعرضون عصائبهم، ويعظمون أهداب ثيابهم، ويحبون المتكأ الأول في الولائم، والمجالس الأولى في المجامع، والتحيات في الأسواق، وأن يدعوهم الناس سيدي سيدي" (مت 23: 5-7). ثم قال بعد ذلك مباشرة: "وأما أنتم فلا تدعوا سيدي"..

قال لهم هذا، ليلغى قيادة الكتبة والفريسيين وسيادتهم، تمهيدًا لوضع نظام لقيادات كنسية جديدة، لا علاقة لها بهؤلاء السادة محبي الظهور.

 2- وقال هذه العبارات لرسله القديسين، وليس لكل الشعب:

"لا تدعوا سيدي.. لا تدعوا معلمين. لا تدعوا لكم أبا على الأرض" (مت 23: 8-10). فالرسل وخلفاؤهم من رؤساء الآباء، ليس لهم على الأرض معلم أو أب أو سيد.. أما باقي الشعب فلهم..


 ليس لكل أحد سلطان أن يعلم، بل للذين أعطى لهم.

لذلك قيل في (رو 12: 7): "أما المعلم ففي التعليم". وقال القديس بولس إن الله: "وضع في الكنيسة أولًا رسلًا، ثانيًا أنبياء، ثالثًا معلمين" (1كو 12: 28). وقال أيضًا: "إنه أعطى البعض أن يكونوا رسلًا، والبعض أنبياء والبعض مبشرين، والبعض رعاة ومعلمين" (أف 4: 11).

وهذه الآية تربط بين الرعاية و التعليم. ولما كان الأساقفة هم الرعاة، لذلك نجد من شروط الأسقف أن يكون "صالحًا للتعليم" (1تى 3: 2)

وفى الرسالة إلى تيطس، يقول القديس بولس عن الأسقف، إنه يجب أن يكون "ملازمًا للكلمة الصادقة التي بحسب التعليم، لكي يكون قادرًا أن يعظ بالتعليم الصحيح ويوبخ المناقضين" (تى 1: 9).

 ويقول للقديس تيطس أسقف كريت: "وأما أنت فتكلم بما يليق بالتعليم الصحيح ويوبخ المناقضين" (تى 1: 9).

ويقول للقديس تيموثاوس أسقف أفسس: "اكرز بالكلمة. اعكف على ذلك في وقت مناسب وغير مناسب. وبخ انتهر عظ، بكل أناة وتعليم" (2تى 4: 2) "لاحظ نفسك والتعليم، وداوم على ذلك.." (1تى 4: 16).

وعمل التعليم مرتبط بالكهنوت منذ العهد القديم (ملا 2: 7). وفي العهد الجديد صار للرسل، والأساقفة وباقي رجال الكهنوت.

المسيح إلهنا المعلم الصالح، عهد إلى الرسل بالتعليم، حينما قال لهم: "اكرزوا بالإنجيل للخليقة كلها" (مر 16: 15) " اذهبوا وتلمذوا جميع الأمم، وعمدوهم. وعلموهم أن يحفظوا جميع ما أوصيتكم به" (مت 28: 19، 20). والرسل سلموا التعليم للأساقفة، وأمروهم أن يعلموا الشعب.

وهؤلاء رسموا قسوسًا وشمامسة، ليكونوا أمناء على التعليم. وفي (1تى 5: 17) يتحدث الرسول عن القسوس: "الذين يتعبون في الكلمة والتعليم".

وبقيت عبارة العهد القديم قائمة: "من فم الكاهن تطلب الشريعة".

أو كما ورد في سفر ملاخي النبي: "لأن شفتي الكاهن تحفظان معرفة. ومن فمه يطلبون الشريعة، لأنه رسول رب الجنود" (ملا 2: 7).

حقًا، ما أعجب هذا الوصف الذي قيل هنا عن الكاهن إنه "رسول رب الجنود".

ليس عمل الكاهن إذن مقتصرًا على تقديم الذبائح، إنما من أهم أعماله: التعليم.

 لأنه من فم الكاهن تطلب الشريعة. والشريعة موجودة كما في العهد القديم، كذلك أيضًا في العهد الجديد، تحتاج إلى من ينقلها إلى أسماع وأفهام الناس.

ولكن البعض يريدون أن يتعلموا من الروح القدس مباشرة! ويفهمون خطأ قول الكتاب: "ويكون الجميع متعلمين من الله" (يو 6: 45).

إن كان الله يريدنا أن نتعلم منه مباشرة، فلماذا إذن أعطى البعض أن يكونوا معلمين (أف 4: 11)؟

ولماذا وضع في الكنيسة معلمين (1كو 12: 28)؟ ولماذا أمر الأساقفة بالتعليم (1تى 4: 16)؟ ولماذا أمر بالوعظ والكرازة (2تى 4: 2)؟

عبارة "يكون الجميع متعلمين من الله" نفهمها بآية أخرى هي: "الذي يسمع منكم، يسمع منى" (لو 10: 16).

أي أن التعليم يكون مصدره هو الله، وشريعته التي تخرج من فم الكاهن، وليس من الهراطقة أو المبتدعين أو الأنبياء الكذبة، أو مدعى العلم والمعرفة وليس من الحية التي تكلمت في أذن الإنسان الأول، وليس من الذات.. إنما إن تعلمت من وكيل الله، يكون التعليم هو من الله، الذي قال لوكلائه: "لستم أنتم المتكلمين بل روح أبيكم" (مت 10: 20).

أما أن ينتظر كل مؤمن أن يكلمه الله مباشرة في كل صغيرة وكبيرة، ويصبح كل واحد من رجال الوحي، فهذه كبرياء مستترة ترفض سماع التعليم. وهؤلاء لا نضمن ما هو الروح الذي سيكلمهم!

هوذا يوحنا الرسول يقول في صراحة كاملة: "لا تصدقوا كل روح، بل امتحنوا الأرواح هل هي من الله.." (1يو 4: 1).. ألعل الجميع - على مختلف مستوياتهم. لهم موهبة تمييز الأرواح؟!

على أن هذه النقطة تحتاج إلى شرح كثير؛ فكل الطوائف لها اجتماعات للوعظ والتعليم، ولها رجالها المسئولون عن تعليم الشعب..

هنا ونقف أمام آية تحتاج إلى شرح وهي قول الرب لتلاميذه القديسين:

"ولا تدعوا معلمين. لأن معلمكم واحد هو المسيح" (مت 24: 10).

لا يقصد السيد المسيح إطلاقًا إلغاء التعليم، لأنه دعا إلى ذلك بقوله: "وعلموهم أن يحفظوا جميع ما أوصيتكم به" (مت 28: 19). ولا يتفق إلغاء التعليم مع الحق الكتابي، ولا مع نشر الإيمان، ولا مع إرسال الله للأنبياء، ولا مع قوله عن الكاهن إن " من فمه يطلبون الشريعة" (ملا 2: 7).

إنما عبارة: "معلمكم واحد هو المسيح " قالها السيد لرسله فقط، وليس لجميع الناس. وتنطبق أيضًا على خلفائهم.

وبنفس المعنى قال: لا تدعوا لكم أبًا، ولا تدعوا سيدي. أما باقي المؤمنين، فلهم آباء روحيون، ولهم معلمون، فهكذا تعليم الكتاب بعهديه القديم والحديث.

هناك كلام كان الرب يقوله لتلاميذه فقط، وكلام آخر يقوله لجميع الناس. لذلك قال له بطرس في مثل السهر والاستعداد:

"يا رب ألنا تقول هذا المثل أم للجميع أيضًا" (لو 12: 41).

أما الذين يقدمون آية واحدة، لينشروا بها تعليمًا، تاركين باقي آيات الكتاب التي يتكامل بها المعنى، فهؤلاء يوبخهم الرب قائلًا:

"لا تضلوا إذ لا تعرفون الكتب" (مت 22: 29، مر 12: 24).

في كل تعليم إذن، علينا لكي نفهم المعنى، أو نتعمق فيه، أن نجمع الآيات الخاصة بهذا الموضوع "قارنين الروحيات بالروحيات" (1كو 2: 13) في غير تحيز أو تعصب. ننتقل إلى نقطة أخرى من عمل رجال الكهنوت وهي أنهم: مرشدون ومدبرون.



نتكلم الآن عن كلمة "سادة"، فنقول:

 3- إن السيادة منحها الله للإنسان منذ البدء، لأنه صورته ومثاله (تك 1: 26).

فقال لآدم وحواء: "أثمروا وأكثروا واملأوا الأرض، وأخضعوها، وتسلطوا على سمك البحر وعلى طير السماء.." (تك 1: 28). بل قال الله قبل خلق الإنسان: "نعمل الإنسان على صورتنا كشبهنا فيتسلطون.." (تك 1: 26).

وهذه السلطة ذاتها، وهذه السيادة، كما منحها الله لآدم وحواء، منحها أيضًا لنوح وأولاده، بعد الفلك (تك 9: 2).

الإنسان كصورة لله هو سيد، وكوكيل له على الأرض هو سيد. وسيادة الإنسان لا تتعارض مع سيادة الله إطلاقًا، ولا تنافسها.

إنها منحة من الله، وليس منافسة له، وتمارس باتضاع.


 4- أمامنا مثال هو يوسف الصديق، منحه الله ألقاب السلطة والسيادة والأبوة دفعة واحدة، وسلك في ذلك باتضاع.

يقول يوسف الصديق إن الله "جعلني أبا لفرعون، سيدًا لكل بيته، ومتسلطًا على كل أرض مصر" (تك 45: 8).

وما أكثر الأمثلة في الكتاب المقدس، التي منح فيها الله بعض أولاده أن يكونوا سادة بغير كبرياء.

 5- هل تعجبون من أن الله جعل يوسف أبا لفرعون، وسيدًا لكل بيته؟! هوذا ما هو أكبر من هذه، أعنى قول الرب لموسى:

"أنا جعلتك إلها لفرعون" (خر 7: 1) وقوله أيضًا لموسى عن هرون: "هو يكون لك فمًا، وأنت تكون له إلها" (خر 4: 16).

طبعًا كلمة "إلهًا" هنا لا تعنى اللاهوت الذي هو طبيعة الله وحده إنما تعنى السيادة، بأسلوب فيه لون واضح من التمجيد.  فهل تتعجبون من هذا المجد الذي منحه الرب لعبده موسى، الذي قال عنه في مجال آخر لتمجيده: "إن كان منكم نبي للرب، فبالرؤيا استعلن له في الحلم أكلمه. أما عبدي موسى، فليس هو هكذا، بل هو أمين على كل بيتي. فمًا إلى فم وعيانًا أتكلم معه.. وشبه الرب يعاين" (عد 12: 6-8).

 6- نأخذ مثالًا للسيادة في البركة التي أخذها يعقوب أبى الآباء، حيث قال له فيها:

"ليستعبد لك شعوب، وتسجد لك قبائل. كن سيدًا لأخوتك، وليسجد لك بنو أمك" (تك 27: 29).

إنها سيادة، وسجود. ومع ذلك كانت بركة. ولم تتعارض مع روح الاتضاع ولا مع سلطان الله وسيادته.

وطبعًا السجود هنا، هو سجود الاحترام، وليس سجود العبادة.

ونلاحظ أن السيادة التي منحها الله ليعقوب على أخوته، لم يستخدمها في كبرياء، ولا هي أفقدته اتضاعه. بل أنه -وهو السيد- سجد إلى أخيه سبع مرات إلى الأرض (تك 33: 3).


 7- السيادة إذن في الكهنوت، لا تمنع الاتضاع. وهي نابعة من أن الأسقف هو وكيل لله (تي 1: 7). فكل احترام مقدم له، إنما هو مقدم لمركزه هذا.. ووضعه أليس هو الشخص الذي بوضع يُنال الروح القدس؟

والسيادة هنا ما هي إلا طاقة للتنظيم في الكنيسة، وليست مطلقا للتسلط، كما كان يحدث مع الكتبة والفريسيين.
قداسة البابا شنودة الثالث