عن وحدانية الله والثالوث المقدس في العهد القديم
يقول "القديس يوحنا الدمشقي": "الأقانيم متحدون دون اختلاط ولا امتزاج ويتميزون دون افتراق أو انقسام لأنهم هم الله الواحد"
الرب لا يتغير ، وحدانية الله لا تتغير
الله روح بسيط لا تركيب فيه.. غير قابل للتجزئة أو التقسيم:
الله روح كما قال الرب يسوع للمرأة السامرية " الله روح والذين يسجدون له فبالروح والحق ينبغي أن يسجدوا" (يو 4: 24).. الله روح بسيط لا تركيب فيه، لأن الشيء المركَّب ليس أزليًا، بل هو مركَّب من أشياء قد سبقته في الوجود، فمثلًا الماء مُركَّب من الأكسجين والهيدروجين وهما سابقان في الوجود عن الماء، قال البابا كيرلس عمود الدين " فالله بسيط في طبيعته وغير مُركَّب بينما نحن طبيعة مركَّبة" وقال القديس أغسطينوس " الله جوهر مجرد لا تركيب فيه"
الله عقل كامل لا جسم فيه:
فكل الذين صوَّروا الله في صور مادية مثل الشمس أو النار أو القمر أو الذين صنعوا له تماثيلًا وصورًا مثل عجل أبيس وبقية آلهة قدماء المصريين، أو آلهة الهندوس، جميعهم أخطأوا في فهم الله، فهذا الإله الذي نعبده هو روح بسيط وعقل كامل لا جسم فيه، ولكن في زمن معين تجسَّد في شكل إنسان، ولذلك فالصورة الوحيدة التي نستطيع أن نتصور فيها الله في تجسده هي صورة رب المجد يسوع.
الله غير محدود وغير متناه:
يملأ كل مكان وزمان، لا يخلو منه مكان وحاضر في كل زمان، بل هو خالق الزمن.. قال عن نفسه " أما أملأ أنا السموات والأرض يقول الرب" (أر 23: 24) والله موجود في كل مكان بالكامل، فالشمس التي تشرق فتدخل إلى حجرتي وحجرتك، ومدينتي ومدينتك، وتعم الوجود، وتشرق بكامل قوتها وفاعليتها، فتطرد الظلمة وتحمل لنا الدفء وتطهر الأماكن من الجراثيم والميكروبات، وهي شمس واحدة، تقرب لنا المعنى، والتشبيه مع الفارق لأن إلهنا شمس دائمة لا تغرب أبدًا.
وإن سأل أحد: وهل الله موجود في أماكن الشر والنجاسة وجهنم النار..؟ نقول له نعم الله في كل مكان ولا يخلو منه مكان.. موجود في أماكن الشر والنجاسة وهو يؤثر ولا يتأثر، مثل الشمس التي تشرق على الأماكن الملوثة فتطهرها، وهو موجود في جهنم النار لا يتأثر بالعذابات إنما يُستعلن بعدله.
الله سرمدي:
أي أزلي أبدي.. أزلي أي لا بداية له، وأبدي أي لا نهاية له، لا بداية لأزليته، ولا نهاية لأبديته، ولذلك قال عن نفسه " أنا الأول وأنا الآخر" (أش 48: 12) " أنا هو الألف والياء" (رؤ 1: 8). وإن كان الملائكة والبشر خالدين إلى الأبد، فإن خلودهم هذا عطية من الله الأبدي. أما الخلود (الأبدية) في الله فهي صفة ذاتية لم يهبها له أحد، الله من محبته وهبنا صفة الخلود ولكن ليس خلودنا مثل خلوده.
الله غير متغير:
لأنه دائمًا وأبدًا كمال مطلق، فلا يمكن أن يتغير للأفضل لأنه لا يوجد شيء أفضل، ولا يمكن أن يتغير للأقل لأنه ثابت لا يتغير، فمعرفة الله لا تزداد بمرور الأزمان، وقوة الله لا تنقص ولا تقل بمرور الأزمان، فهو كمال متناه في جميع صفاته " ليس عنده تغيير ولا ظل دوران" (يع 1: 17).. الله له كل الكمالات الإلهيَّة، فكل صفة من صفاته هي صفة كاملة 100%.. عدله كامل وهكذا محبته كاملة، قوته كاملة ومعرفته كاملة، جماله كامل وطول أناته كاملة.. إلخ.
وإن تساءل البعض عندما يقول الكتاب المقدَّس أن الله "ندم" ألاَّ يعتبر هذا الندم نوع من التغيير..؟ نقول لهم إن الذي تغير هو الإنسان " فلما رأى الله أعمالهم أنهم رجعوا عن طريقهم الرديئة ندم الله على الشر الذي تكلَّم أن يصنعه بهم فلم يصنعه" (يون 3: 10)، فالشعب رجع عن خطيته وتاب، فعفى الله عنه، وقال الكتاب عن الله أن ندم ليعبر لنا عن صلاح الله ومحبته، فهو لا يشاء موت الخاطئ مثلما يرجع ويحيا، وهو لا يريد أن يعاقب الإنسان ولا يريد أن يفنيه عن وجه الأرض، وقال الكتاب أيضًا " ليس الله إنسانًا فيكذب ولا ابن آدم فيندم" (عد 23: 19).
الله خالق كل شيء:
فليس لكائن مهما كان، إنسان أو ملاك أو رئيس ملائكة، القدرة على خلقة أقل الأشياء.. الإنسان صانع وليس خالق، فالخلقة تأتي من العدم أما الصنعة فتحتاج إلى مادة أولية يتم تصنيعها، ولذلك عندما نرى السيد المسيح يخلق، فهذا دليل كافٍ على ألوهيته.
الله ضابط الكل:
فهو مدبر كل شيء في السماء وفي هذا الكون المهول، ومن المستحيل أن يحدث أمر صغير أو كبير إلاَّ بأمره أو بإذنه، وقد يتساءل البعض عن الشر والكوارث والجرائم التي تحدث على الأرض.. هل تحدث بإرادته أو بدون إرادته؟ والحقيقة أن هناك فارق بين إرادة الله وسماحه أو إذنه، فإرادة الله إرادة خيرّة، وهو صانع الخيرات. أما الشرور والكوارث والجرائم فإنها تحدث بإذنه وبسماح منه لحكمة إلهيَّة كنوع من العقوبة والتأديب للإنسان المخطئ، أو لتذكية إيمان الإنسان الأمين كما حدث مع أيوب الصديق ويوسف البار..
هذا هو إيماننا كما نصلي في القداس الإلهي " أيها الواحد وحده الحقيقي الله محب البشر الذي لا ينطق به. غير المرئي غير المحوي غير المبتدئ (الأزلي) الأبدي غير الزمني الذي لا يحد. غير المفحوص غير المستحيل خالق الكل.."
إذًا غني عن القول أن المسيحية تعترف بإله واحد لا شريك له.
وحدانية الله الدرس الأول الذي تعلمته الكنيسة وعلمته للعالم كله.. كان العالم غارقًا في العبادة الوثنية وتعدد الآلهة، ودخل آباء الكنيسة في مناقشات ومجادلات مع الفلاسفة الوثنيين حتى أظهروا لهم فساد معتقدهم.. كم جاهدت الكنيسة وعانت؟!
وكم ضحت بآلاف الشهداء لتمسكها بعبادة الإله الواحد؟!
والكنيسة في صلواتها الطقسية من قداسات وعشيات وأكاليل وجنازات وصلوات الأجبية تحرص على ترديد قانون الإيمان
الثالوث المقدس في العهد القديم
في (تك 1: 1): "في البدء خلق الله (ألوهيم) السموات والأرض " نلاحظ أن الوحي وضع الفعل في صيغة المفرد (خلق) بينما وضع الفاعل في صيغة الجمع (ألوهيم).
"خلق" تشير لوحدانية الله، و"ألوهيم" تشير للأقانيم الثلاثة..
في (تك 1: 26): "قال الله نعمل الإنسان على صورتنا كشبهنا".. نلاحظ أن الوحي وضع الفاعل (الله) في صيغة المفرد، بينما وضع الفعل في صيغة الجمع (نعمل). ثم أكمل بأسلوب الجمع على صورتنا كشبهنا.. "قال الله" تشير للجوهر الإلهي الواحد.. للطبيعة الإلهيَّة الواحدة.. للذات الإلهيَّة الواحدة.. للكيان الإلهي الواحد و"نعمل " تشير للأقانيم الثلاثة الآب والابن والروح القدس.
أسلوب الجمع للتعظيم غير معروف في اللغة العبرية، والدليل على هذا أن فرعون ملك مصر العظيم تكلم بصيغة المفرد "ثم قال فرعون ليوسف أنظر. قد جعلتك على كل أرض مصر" (تك 41: 41) فقال "جعلتك" ولم يقل "جعلناك"، ونبوخذ نصر ملك بابل العظيم تكلم بصيغة المفرد " فصدر مني أمر بإحضار جميع حكماء بابل" (دا 4: 6) فقال "مني" ولم يقل "منا"، ثم أكمل بيتر الآيات التالية:
في (تك 3: 22): "وقال الرب الإله هوذا الإنسان قد صار كواحد منا".. لو كان الجمع بهدف التعظيم لكان يقول "قد صار مثلنا " ولكن قوله " قد صار واحد منا " فهنا الإشارة واضحة للأقانيم الثلاثة.
في (تك 11: 7): "هلم ننزل ونبلبل هناك ألسنتهم "
في (خر 3: 15): "قال الله أيضًا لموسى هكذا تقول لبني إسرائيل يهوه إله أبائكم إله إبراهيم وإله إسحق وإله يعقوب أرسلني إليكم" فقوله "يهوه إله أبائكم" إشارة للوحدانية، وقوله "إله إبراهيم وإله إسحق وإله يعقوب" إشارة للأقانيم الثلاثة
في (عد 6: 24-27): يذكر البركة الثلاثية:
"يباركك الرب ويحرسك. يضئ الرب بوجهه عليك ويرحمك. يرفع الرب وجهه عليك ويمنحك سلامًا. فيجعلون اسمي على بني إسرائيل وأن أباركهم".. الآب يبارك، والابن الذي أظهر نوره للعالم يضئ، والروح القدس يمنح السلام، والأقانيم الثلاثة لهم كيان إلهي واحد لذلك قال " اسمي.. وأنا أباركهم " .
في (مز 33: 6): "بكلمة الرب صنعت السموات وبنسمة فيه كل جنودها".. كلمة الرب إشارة لأقنوم الابن " الكلمة " وأقنوم الآب " الرب " والأقنوم الثالث واضح في " نسمة فيه"
في (أش 48: 12 - 16): "أنا هو الأول وأنا الآخر.. لم أتكلم من البدء في الخفاء. منذ وجوده أنا هناك والآن السيد الرب أرسلني وروحه"
الذي يتكلم هنا علانية "لم أتكلم في الخفاء" هو أقنوم الكلمة الذي يتحدث عن أزليته "منذ وجوده (الآب) أنا هناك" ويتحدث عن إرسالية الآب له وأيضًا لا يغفل ذكر الأقنوم الثالث " وروحه".
في (أش 6: 3): "وهذا نادى ذاك وقال قدوس قدوس قدوس رب الجنود مجده ملئ كل الأرض".. الثالوث المقدس ؟
لأن الأقانيم ثلاثة..
قدوس الله الآب.. قدوس الله الابن.. قدوس الله الروح.
قدوس وجودك يا الله.. قدوس عقلك وتدبيرك يا الله.. قدوس حياتك يا واهب الحياة. وفي نفس الوقت يقول "رب الجنود" إشارة لوحدانية الله، وفي نفس الرؤيا في العدد 8 يقول "ثم سمعت صوت السيد قائلًا من أرسل ومن يذهب من أجلنا..".
" صوت السيد " مفرد يشير للجوهر الهي الواحد.
" من أجلنا " جمع تشير للأقانيم الثلاثة.
شاهد ايضاً : الفرق بين ابناء الله والمسيح ابن الله - وشرح التثليث والتوحيد