اخر الأخبار

كهنوت المرأة


 

مرجعنا الأول في البحث هو الكتاب المقدس الذي يمكننا أن نجد فيه ما يعبر عن الفكر الإلهي تجاه هذا الموضوع لأن "كل الكتاب هو موحى به من الله ونافع للتعليم.. الذي في البر لكي يكون إنسان الله كاملًا متأهبًا لكل عمل صالح" (رسالة تيموثاوس الثانية 3 : 16، 17).

نحن في بحثنا عن الحقيقة لا يمكننا أن نعتمد على حكمتنا الخاصة. بل يجب أن نعود إلى الكتب المقدسة، متذكرين قول الرب في سفر الأمثال "يا ابني لا تنسى شريعتي بل ليحفظ قلبك وصاياي.. توكل على الرب بكل قلبك وعلى فهمك لا تعتمد.. لا تكن حكيمًا في عيني نفسك طوبى للإنسان الذي يجد الحكمة وللرجل الذي ينال الفهم.. طرقها طرق نعم وكل مسالكها سلام. هي شجرة حياة لممسكيها والمتمسك بها مغبوط" (أم3: 1، 5، 7، 13، 17، 18).

ليس من حقنا أن نضع تعليمًا أو تشريعًا أو نظامًا في الكنيسة لا يتفق مع تعليم الكتاب المقدس. ولهذا فالقديس بولس الرسول يوصى أهل تسالونيكي قائلًا: "فاثبتوا إذًا أيها الأخوة وتمسكوا بالتعاليم التي تعلمتموها سواء كان بالكلام أم برسالتنا" (تسالونيكي الثانية 15:2) ثم يؤكد هذا المعنى محذرًا إياهم قائلًا: "ثم نوصيكم أيها الأخوة باسم ربنا يسوع المسيح أن تتجنبوا كل أخ يسلك بلا ترتيب وليس حسب الترتيب الذي أخذه منا" (2تس6:3).

المرجع الثاني في البحث هو تقليد الكنيسة وبخاصة في عصورها الأولى على اعتبار أنها أخذت التعليم من مصادره السليمة من السيد المسيح والرسل فإذا بحثنا في الكتاب المقدس وتقاليد الكنيسة القديمة نجد ما يلي:


1- عدم قيام المرأة بالتعليم في الكنيسة

وفي ذلك يقول القديس بولس الرسول: "لتتعلم المرأة بسكوت في كل خضوع. ولكن لست آذن للمرأة أن تُعلّم ولا تتسلط على الرجل بل تكون في سكوت. لأن آدم جُبل أولًا ثم حواء. وآدم لم يغو لكن المرأة أغويت فحصلت في التعدي. ولكنها ستخلص بولادة الأولاد إن ثبتن في الإيمان والمحبة والقداسة مع التعقل" (تيموثاوس الأولى 11:2-14).

ونلاحظ أن تعليم القديس بولس الرسول في هذا المجال قد قدم تبريرًا لهذا المنع لا علاقة له بالظروف الاجتماعية السائدة في ذلك الزمان ولا بالظروف الخاصة للكنيسة التي كان يرعاها تلميذه تيموثاوس، بل استند إلى أمور تخص الرجل والمرأة منذ بداية الخليقة وحتى قبل خروج آدم وحواء من الفردوس بسبب الخطية.

فإذا علمنا أن المرأة لا ينبغي أن تعلم في الكنيسة فمن باب أولى لا يجوز منحها درجات من درجات الكهنوت حيث أن الكاهن يمارس خدمة الأسرار إلى جوار التعليم وقيادة الكنيسة في حدود مسئوليته.


2- الرجل هو رأس المرأة حسب تعليم الكتاب المقدس

يقول القديس بولس الرسول "أيتها النساء اخضعن لرجالكن كما للرب. لأن الرجل هو رأس المرأة كما أن المسيح أيضًا رأس الكنيسة وهو مخلص الجسد. ولكن كما تخضع الكنيسة للمسيح كذلك النساء لرجالهن في كل شيء" (أفسس 5: 22-23).

كيف يمكن تطبيق هذا التعليم في حالة منح الكهنوت للمرأة؟ كيف تخضع لرجلها في كل شيء إن كانت هي التي تقوم بعمل القيادة والرعاية والتعليم؟ المفروض أن الخراف هي التي تخضع لراعيها والتلاميذ لمعلمهم والأفراد لقائدهم والأبناء لآبائهم.

نحن نقرأ أيضًا: "ولكن أريد أن تعلموا أن رأس كل رجل هو المسيح وأما رأس المرأة فهو الرجل. ورأس المسيح هو الله. لأن الرجل ليس من المرأة بل المرأة من الرجل. ولأن الرجل لم يخلق من أجل المرأة بل المرأة من أجل الرجل" (1كو11: 3، 8، 9).


3- الكاهن يمثل المسيح نفسه

لقد أعطى السيد المسيح للرسل بسلطان الروح القدس في الكهنوت أن يغفروا الخطايا على الأرض وأن يصالحوا الناس مع الله وأن يحملوا بركات الخلاص والفداء لجميع شعوب العالم، إذ صاروا وكلاء أسرار الله (1كو1:4).

وصيرهم السيد كهنة على مثاله في تقديم ذبيحة الفداء باستحقاق ذبيحة نفسه على الصليب صائرًا هو نفسه رئيس كهنة إلى الأبد. وقد ربط معلمنا بولس الرسول بين عمله الكرازي في التعليم وعمله الرسولي في الكهنوت والأسرار وعبّر عن ذلك بقوله: "النعمة التي وُهبت لي من الله حتى أكون خادمًا ليسوع المسيح لأجل الأمم مباشرًا لإنجيل الله ككاهن ليكون قربان الأمم مقبولًا مقدسًا بالروح القدس" (رومية 15 : 15، 16).

إن الأمم الذين قبلوا الإيمان واختبروا في المعمودية والأسرار المقدسة شركة الموت مع المسيح قد اعتبرهم القديس بولس الرسول بمثابة قربان تشتعل فيه النار الإلهية ليكون مقدسًا مقبولًا أمام الله.

لا يستطيع أحد أن ينكر أن عمل الكهنوت هو امتداد لعمل المسيح الخلاصي على الأرض. ولهذا فالكاهن يمثل السيد المسيح في رسالته الخلاصية. وقيل عن السيد المسيح أنه رئيس كهنة وليس رئيس كاهنات.

ومن جانب آخر نلاحظ أنه لم يكن بلا ترتيب أن جاء السيد المسيح رجلًا وليس امرأة، لهذا يقول الكتاب "يسوع الناصري رجل وقد تبرهن لكم من قبل الله بقوات وعجائب آيات صنعها الله بيده في وسطكم كما أنتم أيضًا تعلمون" (سفر أعمال الرسل 2: 22). كل طفل يولد من الممكن أن يكون ذكرًا أو أنثى أما السيد المسيح فقد ولد ذكرًا إذ هو رئيس الكهنة الأعظم. وله الأبوة الروحية والرئاسة على الكنيسة كلها إذ هو رأس الكنيسة لهذا قيل عنه "لأنه يولد لنا ولد ونعطى ابنًا وتكون الرئاسة على كتفه ويدعى اسمه عجيبًا مشيرًا إلهًا قديرًا أبًا أبديًا رئيس السلام" (إشعياء 9: 6، 7). فالوحي الإلهي هنا يعلن بوضوح أن هناك علاقة وثيقة بين الأبوة والرئاسة والقيادة والإرشاد.


4- لم يسبق في التاريخ أو التقليد مثل هذا الكهنوت للمرأة

السيد المسيح نفسه اختار رسله من الرجال ولم يختر بينهم امرأة واحدة ولا على سبيل الاستثناء. بل سلم الكنيسة لاثني عشر رجلًا، ثم أرسل إرسالية من سبعين رجلًا، وأوصى بالكنيسة لتلاميذه (إنجيل متى 28) و(مرقس 16) وكلهم من الرجال. كذلك الآباء الرسل لم يختاروا امرأة واحدة لتصير كاهنة بل أقاموا جميع خلفائهم من الرجال فقط بلا استثناء واحد.


5- العذراء القديسة مريم وعلاقتها بالكهنوت

العذراء مريم وهي أقدس إنسانة لم تتول أي عمل من أعمال الكهنوت ولو كان يحق الكهنوت للمرأة لكانت هي أولى من غيرها في كل زمان ومكان.

الذين يطالبون بالكهنوت للمرأة عليهم أن يتأملوا عمليًا مثال العذراء مريم، التي ولدت الله الكلمة بالحقيقة وساهمت في تنشئته -وهو رئيس الكهنة الأعظم- لكنها ظلت محتفظة بدورها الطبيعي كأم ولم تطالب بالكهنوت على الإطلاق.


6- الإفخارستيا والكهنوت

نلاحظ أن السيد المسيح قد سلم تقديس الإفخارستيا لتلاميذه الرجال الذي كلمهم حوله على مائدة الفصح وقال "اصنعوا هذا لذكرى" (أنجيل لوقا 22: 19).


7- منشأ الكهنوت

الكهنوت منذ بدايته كانت نشأته حسب ما ورد في (خروج 1:13) "قدس لي كل بكر كل فاتح رحم". وكان المقصود بذلك كل بكر من الذكور بدلًا من الأبكار الذين افتداهم الرب في أرض مصر ضرب جميع أبكار المصريين. ثم استبدل الرب الأبكار من الذكور بكل ذكر من سبط لاوي "وقال الرب لموسى عد كل بكر ذكر من بنى إسرائيل من ابن شهر فصاعدًا وخذ عدد أسمائهم. فتأخذ اللاويين لي. أنا الرب. بدل كل بكر في بنى إسرائيل فكان جميع الأبكار الذكور بعدد الأسماء من ابن شهر فصاعدًا المعدودين منهم اثنين وعشرين ألفًا ومئتين وثلاثة وسبعين" (سفر العدد 3: 40-43).

أما عدد اللاويين "جميع المعدودين من اللاويين الذين عدّهم موسى وهارون حسب قول الرب بعشائرهم كل ذكر من ابن شهر فصاعدًا اثنان وعشرون ألفًا" (عد3: 39).

ونظرًا لوجود فرق في العدد مقداره مئتين وثلاثة وسبعين فقد طلب الرب عنهم خمسة شواقل فضة لكل رأس (عد3: 47). ولو كان من الممكن منح الكهنوت للمرأة لكان الأولى أن يأخذ هذا الفرق من بين الإناث الذين ولدوا قبل باقي أخوتهم.


8- الكهنوت هو للرجال فقط

نلاحظ أن أنواع الكهنوت التي قدمها لنا الكتاب المقدس كلها من الرجال. سواء كهنوت الآباء البطاركة الأول مثل نوح وأيوب وإبراهيم وإسحق ويعقوب، أو الكهنوت الهاروني، أو كهنوت ملكي صادق، أو كهنوت الرسل وخلفائهم من الأساقفة كله كهنوت رجال وبهذا يكون كهنوت المرأة هو ابتداع في الدين.


9- انقسامات في الكنيسة

لاشك أن هذا الابتداع في العقيدة والإيمان سوف يكون سببًا في حدوث نزاعات تؤثر في وحدة الكنيسة. سواء وحدة الجماعات الأنجليكانية داخليًا، أو في علاقتها مع الكنائس الأخرى.


10- نتائج المبالغة في إعطاء حقوق للمرأة خارج إطار تعليم الكتاب

نحن نرى العالم يندفع مسرعًا نحو تعديل ما يختص بالتعليم الكتابي. حتى وصل الأمر بالمدافعين عن حقوق المرأة إلى محاولة فرض الأنوثة على اسم الله نفسه. ومنع كلمة أبانا أو أبوكم السماوي وهنا تغيير للكتاب في مواضيع عديدة يختص بعضها بالأقانيم الإلهية وعلاقتها ببعضها، مثل علاقة الابن بالآب السماوي ويختص بعضها بالفداء وعمل المسيح الكفاري وأبوته الروحية كرئيس كهنة.


11- عقبات عملية

هناك عقبات عملية بالنسبة للمرأة في فترات الحمل والولادة والرضاعة الأمور التي تأخذ بسببها بعض النساء الموظفات عطلات طويلة من وظائفهن. وربما يؤدى الانشغال بعمل الكهنوت إلى إهمال وظيفة ربة البيت تمامًا بما في ذلك تربية الأطفال.


اعتراضات والرد عليها

أ- قد يعزو البعض ما ذكر في الكتاب المقدس مضادًا لمنح الكهنوت للمرأة وكذلك ما نراه في التقليد السائد في كل الكنائس القديمة، بأن المرأة لم يكن لها دورًا فعالًا في المجتمع بصفة عامة مما أدى إلى منعها من ممارسة الكهنوت في الكنيسة تمشيًا مع الوضع الاجتماعي السائد في ذلك الحين وأن المرأة قد أصبح لها دورًا فعالًا في المجتمع في الوقت الحاضر مما يدعو إلى إعادة النظر في التعليم الكتابي وما عمله لنا التقليد الكنسي بهذا الشأن.

ولكننا نجيب عليهم ونقول أن المرأة في كل الأجيال كان لها تقديرها فكان هناك نساء نبيات مثل مريم أخت موسى وهارون ومثل دبورة القاضية والنبية، ومثل خلدة النبية.. إلخ.

ووجد في الكتاب المقدس وفي التاريخ ملكات مشهورات مثل أستير الملكة ومثل ملكة سبأ التي ذكرها السيد المسيح وملكات في شعوب كثيرة مثل كليوباترة وحتشبسوت.. إلخ.

وبالرغم من وصول هؤلاء النسوة إلى هذه المناصب وقد بقى الكهنوت -حسب تدبير الله في وسط شعبه- ميدانًا لا تدخله المرأة فهي من الممكن أن تصير ملكة وممكن أن تصير قائدة الجيش ويمكن أن توجد أسفار في الكتاب المقدس باسمها. فلا مجال للإدعاء بأن مكانة المرأة لم يكن لها وجود في العهد القديم.

وفي أيام السيد المسيح كانت هناك لهن مكانة كبيرة كالعذراء مريم، والمجدلية التي أخبرت بالقيامة، ومثل النساء اللائي وهبن بيوتهن لتصير كنائس مثل أم يوحنا الملقب مرقس ومثل ليديا بائعة الأرجوان ومثل بريسكيلا زوجة أكيلا (رومية 16) ومثل بنات فيلبس المبشر اللائي كن يتنبأن ومثل نساء كثيرات ذكرهن بولس الرسول في (روميه 16) بالاسم وذكر تعبهن في الكنيسة ومع ذلك لم يعط الكهنوت لواحدة منهن.

المجامع المسكونية التي اجتمعت فيها قيادات الكنيسة في العالم لم يكن فيها امرأة واحدة.


دور المرأة المناسب في الكنيسة

المرأة تصلح أن تكون شماسة (بدون وضع يد) تساعد في أمور الخدمة؛ مثل فيبي شماسة كنيسة كنخريا وأوليمبياس التي كانت شماسة في عهد القديس يوحنا فم الذهب بطريرك القسطنطينية

نحن نعطى اختصاصات للمرأة في أعمال كثيرة في الكنيسة في الخدمة الاجتماعية، وفي تعليم النساء والأطفال وخدمتهن وفي رسم الأيقونات، وفي صنع ملابس الكهنوت، وفي رعاية الأيتام والمتغربات والمحتاجين.. إلخ. ولكن لا يوجد أي سند في الكتاب المقدس أو التاريخ لتعليم المرأة للرجال أو قيامها بخدمة الكهنوت للرجال.

ونحن نهيب بالجماعات المنشقة التي تسمح بكهنوت المرأة أن تنظر إلى الأمر بمزيد من الاهتمام وأن يتناول هذه القضية الحساسة بمزيد من الدراسة والبحث.

وللأسف بعض الكنائس أباحت سيامة المرأة في درجة الأسقفية وليس القسيسية فقط وبذلك ظهر حقيقة أنهم لا يأخذون سر الكهنوت على محمل جدي بل هم في صميم عقيدتهم هراطقة مبتدعين مع مظاهر خارجية للاحتفاظ بأسرار المعمودية والإفخارستيا

ليست هناك تعليقات