بدعة تأليه الإنسان وأزليته
ما بين الحلول الأقنومي والاتحاد الأقنومي الجوهر والطاقة
أ- بين الحلول الأقنومى والاتحاد الأقنومى
هناك موضوع حوله تساؤلات كثيرة جداً، وحوارات كثيرة جداً، وهو الجوهر الإلهى والنعمة أو الطاقة الإلهية.
كثيرون يسألوننى هل حل الروح القدس يوم الخمسين بجوهره أم بطاقاته أو نعمه؟ ويتسألون هل نسميه حلول أقنومي أم أنه ليس حلولاً أقنومياً؟
الرد هو أن بعض الآباء يبتعدون عن عبارة “الحلول الأقنومى” تحاشياً لمفهوم الإتحاد الأقنومى، لأن الاتحاد الأقنومى حدث فى تجسد الكلمة فقط. فى تجسد الكلمة حدث حلولاً أقنومياً مقترناً بالتجسد، وهو أن الله الكلمة حل وإتحد بالناسوت. إذن كان هناك حلول وفى نفس التوقيت وبدون فارق زمنى كان هناك إتحاد. فلئلا يفهم أحد عبارة “الحلول الأقنومى” بمعنى أن هناك اتحاداً الأقنومياً مع الروح القدس علينا فنصير نحن الروح القدس، كما إتحد أقنوم الكلمة بناسوته صار هو الابن الوحيد الجنس، وهو نفسه الله الكلمة، لكن بحسب لاهوته مولود من الآب قبل كل الدهور، وبحسب ناسوته مولود من السيدة العذراء. بحسب لاهوته مساو للآب فى الجوهر، وبحسب ناسوته مساو لنا بلا خطية.
إذن من يتحاشون عبارة “الحلول الأقنومى” يريدون أن يبعدوا عن الأذهان فكرة الاتحاد الأقنومى. لكن إن تكلم أحد بوضوح وقال أنه فى يوم الخمسين حدث حلول أقنومى للروح القدس بدون إتحاد أقنومى فى هذه الحالة تُرفَع المحاذير. لم يحدث إتحاد بجوهر الروح القدس.
لا أستطيع أن أنكر أن الروح القدس قد حل فى يوم الخمسين. لكن ما الذى أخذه الآباء الرسل؟ هل أخذوا جوهر الروح القدس أم نعمته؟ طبعاً أخذوا نعمة أى طاقة. يقول الكتاب “أَلْسِنَةٌ مُنْقَسِمَةٌ” (أع2: 3) والروح القدس جوهره لا ينقسم، إذن هى النعمة..
لكن من الذى وهب هذه الألسنة؟ من هو الواهب؟ إنه الروح القدس..
الواهب هو أقنوم الروح القدس لكن ما هى العطية؟ العطية هى النعمة بكل أنواعها. لذلك فإن معلمنا بولس الرسول فى رسالته لأهل كرونثوس يقول “الرُّوحُ الْوَاحِدُ بِعَيْنِهِ قَاسِماً لِكُلِّ وَاحِدٍ بِمُفْرَدِهِ كَمَا يَشَاءُ” (1كو12: 11). لاحظوا هنا كلمة “قاسماً” أى أنه يقسم المواهب معطياً واحد كما يشاء. فيعطى لواحد موهبة شفاء، ولآخر موهبة إخراج شياطين، ولثالث موهبة صنع معجزات، ولغيره موهبة ترجمة ألسنة لأن البشارة بالإنجيل كان لابد أن تنتشر، ولآخر موهبة ألسنة، وهكذا.. ذكر معلمنا بولس تسع أنواع من مواهب الروح القدس، ويقول “قاسماً” أى أن هناك عملية توزيع.
نحن نقول أن الروح القدس حاضر فى كل مكان.. هل قبل أن يحل الروح القدس فى يوم الخمسين لم يكن موجوداً؟! إذن المقصود بحلول الروح القدس يوم الخمسين هو أنه بدأ يمنح.
هذا نقوله أيضاً عن الإرسال. فالروح القدس مرسل من الآب والابن، لكنه حاضر فى كل مكان، لكن حينما بدأ أن يعمل ويعطى المواهب، والثمار، وفعله فى الأسرار، هذا هو المرتبط بكلمة “الإرسال”.
مثال للتوضيح: إذا كان هناك طبيب جالساً بجوار المريض، والسماعة فى حقيبته والترمومتر فى جرابه وهو لا يقوم بأى عمل، فما الذى إستفدناه منه؟ أما إذا جاءته مكالمة من شخص عزيز كوالده مثلاً تطالبه بالقيام بعلاج هذا المريض بسرعة، فإنه يبدأ بفتح حقيبته الطبية ثم يبدأ بممارسة مهنته كطبيب. المتصل هنا كأنه أرسل الطبيب لهذا المريض، أما حينما كان الطبيب موجوداً ولا يقوم بدوره، لم يكن المريض مستفيداً من وجوده.
الإرسال لا يعنى أن الروح القدس تحرك من مكان لآخر لأنه حاضر فى كل مكان. نحن نقول فى قطع صلاة الساعة الثالثة “أيها الملك السمائى المعزى روح الحق الحاضر فى كل مكان المالئ الكل كنز الصالحات ومعطى الحياة..” هو حاضر فى كل مكان لكن المقصود بالإرسال هو أنه بدأ يعمل.. ماذا يعمل؟ إنه يعمل أموراً كثيرة.
ماذا عن السكنى؟ هل الروح القدس ساكن فينا؟
الروح القدس مالئ الوجود كله إذن هو موجود فينا.. لكن من الممكن أن يكون موجوداً لكنه متقزز لأبعد حد. والدليل أنه يقول “لاَ تُحْزِنُوا رُوحَ اللهِ الْقُدُّوسَ الَّذِي بِهِ خُتِمْتُمْ لِيَوْمِ الْفِدَاءِ” (أف4: 30). ويقول “أَمَا تَعْلَمُونَ أَنَّكُمْ هَيْكَلُ اللهِ وَرُوحُ اللهِ يَسْكُنُ فِيكُمْ؟ إِنْ كَانَ أَحَدٌ يُفْسِدُ هَيْكَلَ اللهِ فَسَيُفْسِدُهُ اللهُ لأَنَّ هَيْكَلَ اللهِ مُقَدَّسٌ الَّذِي أَنْتُمْ هُوَ” (1كو3: 16، 17). هو فى البداية كان حاضراً فى كل مكان ومتقززاً من أعمال البشر، لكن لم نكن هياكل الله. أما حينما يسكن الروح القدس فى إنسان كهيكل، مثل الهيكل المدشن فى الكينسة، ثم يعود هذا الإنسان يرتكب خطية، فإنه يكون كمن يخطئ داخل الهيكل؟!
حدث مرة حينما إقترب شعب إسرائيل من موآب أن الشعب إبتدأوا يزنون مع بنات مؤاب حتى أن أحدهم أحضر المؤابية إلى داخل خيمة الاجتماع وأخطأ معها هناك، فدخل فينحاس إبن ألعازر إبن هرون وقتلهما. فتوقف الوبأ الذى أرسله الله بسبب أن بنى إسرائيل زنوا مع المؤابيات وأكلوا مما ذبح للأوثان وأيضاً سجدوا لآلهتهم فغضب الله. فرد فينحاس سخط الله لأنه غار غيرته (أنظر عدد 25).
يقول الكتاب أيضاً “لاَ تُطْفِئُوا الرُّوحَ” (1تس5: 19). إذن حرارة الحب الإلهى التى يشعلها فينا تنطفئ بالانشغال بالأمور المادية، والعالمية، والتسليات، والكلام العالمى. أما من يفتح قنوات غير أخلاقية فإنه يحزن الروح القدس، ثم، تبدأ الشهوات فى التحرك بداخله فيفسد هيكل الله وقيل أنه “إِنْ كَانَ أَحَدٌ يُفْسِدُ هَيْكَلَ اللهِ فَسَيُفْسِدُهُ اللهُ”.
هناك سجال حول سؤال هل الروح القدس يسكن فينا أم لا؟ لا يجب أن هناك سجال حول هذا الموضوع لأن الروح القدس حاضر فى كل مكان، لكن لما يسكن فينا عندما نمسح بالمسحة المقدسة حينئذ نصير هيكلاً للروح القدس. لكن إحترس يا حبيبى: “إِنْ كَانَ أَحَدٌ يُفْسِدُ هَيْكَلَ اللهِ فَسَيُفْسِدُهُ اللهُ”.. حينما صرت هيكلاً للروح القدس الأمر صار أكثر خطورة من ذى قبل.
ب-بين الطاقة والجوهر
إكتشفت أيضاً مسألة بدأت فى الانتشار، وهى وجود مفهوم آخر فى موضوع الجوهر والطاقة (أو النعمة) بالنسبة لله. كلنا كنا نفهم أن الجوهر هو اللاهوت، والطاقة أو النعمة ليست هى الله، لكنها عطايا إلهية أو هبات. فبدأ البعض يقولون أن حتى هذه الهبات هى الله نفسه.
أحد أصدقائى أنا شخصياً اسمه الآب الدكتور إبراهيم خليل دبور من الروم الأرثوذكس فى الأردن قام بترجمة كتاب بعنوان “التأله هدف حياة الإنسان”، من الكتاب الأصلى الإنجليزى Theosis the True Purpose of Life. هذا الكتاب هو من تأليف الأرشمندريت جيورجيوس كابسانيس رئيس دير غريغوريوس بجل آثوس. وقد قابلت بنفسى الأرشمندريت جيورجيوس رئيس الدير هذا لمدة ثلاث ساعات فى أثينا، كنت أتفاهم معه بخصوص الاتفاق اللاهوتى بيننا وبين الروم الأرثوذكس، وكانت الجلسة ودية، أرسل لى بعدها برسالة قال فيها أن الجلسة جعلتنا نتقدم فى فهم مضمون الاتفاقية، لكن لازالت لديه تساؤلات.
أن صداقتنا مع الأب جيورجيوس المؤلف وأيضاً مع المترجم الآب إبراهيم خليل دبور لا تمنع أن نرد على ما فى الكتاب من مفاهيم، لأن هذا الكتاب تمت طباعته أكثر من مرة، وهو يوزع مجاناً، ونحن لنا شعب قبطى أرثوذكسى فى الأردن. إننا نحب الأردن عموماً، يكفى أن بها المكان الذى تعمد فيه السيد المسيح، وقد قمنا بزيارته مع قداسة البابا شنودة الثالث الله ينيح نفسه وينفعنا بصلواته.
فى هذا الكتاب هناك كلاماً مفزعاً! حيث يقول:
“إن قدرات الله هى قدرات إلهية، إن هذه القدرات هى الله بدون أن تكون جوهره، إنها الله لذلك تؤله الإنسان“.[2]
وكتب أيضاً:
“إن الله ليس وحسب جوهراً كما يعلّم الغربيون[3]، ولكن عنده أيضاً قدرة. فلو أن الله كان فقط جوهراً لما استطعنا أن نتحد به أو أن تكون لنا به علاقة لأن جوهر الله مخيف ولا يمكن للإنسان أن يقترب إليه، بحسب الخروج (33: 20)”.[4]
هذا المفهوم عجيب جداً!!! لم أكن أعلم أنه موجود عندهم، لكن من كلامه فى هذا الكتاب إتضح أن هذا المفهوم موجود منذ القرن الثالث عشر فى منطقة تسالونيكى فى اليونان وجبل آثوس.
هناك فى جبل آثوس أناس يصعب التفاهم معهم لدرجة أن أبونا جيورجيوس هذا أعطانى هدية عن الدير الذى يرأسه، لكنه قال لى لن أستطع أن تلتقط لى صورة فوتوغرافية معك لئلا يرانى الرهبان القاطنين فى الجبل ويثوروا علىّ! هم يعتبرون أننا أوطاخيين، ومونوفيزيتيين، ونمزج اللاهوت بالناسوت. نحن فى نظرهم متهمين، حتى أننا حينما نذهب إلى هناك بعض الأديرة ترفض أن تسلم علينا مجرد سلام، أو أن يأكلوا معنا طعاماً عادياً على مائدة، أو أن نحضر صلوات فى كنيسة لهم. يصعب التعامل معهم جداً. لكنى كنت أعتبر أنهم ربما يحتاجون من يشرح لهم، وفعلاً ذهب لمقابلة الرجل..
أما ما إكتشفته الآن فهو أخطر بكثير!
إنهم يعتبرون أن الطاقة الصادرة من الله هى الله، فإذا إتحدنا نحن بهذه الطاقة أو النعمة نتأله! سأعطى لذلك مثلاً من إقتباس لأسقف تسالونيكى فى القرن الثالث عشر ورد فى هذا الكتاب يقول فيه عن السيدة العذراء مريم:
“إن كلية القداسة تأتى بعد الثالوث الأقدس مباشرة، هى إله بعد الله. هى الخط الفاصل بين الخالق والمخلوق.”[5]
كما أورد الأب جيورجيوس إقتباساً آخر لأحد أبائهم اسمه نيقوديموس الأثوسى يصفه بأنه الكاروب المنير ومعلم الكنيسة يقول فيه:
“إن طغمات الملائكة يأخذون نورهم من النور الذى يشع من مريم العذراء.”[6]
لقد ظهرت السيدة العذراء مريم فى الوراق (كتبت مقالة تأييداً لهذا الظهور)، وظهرت فى بابادبلو (حضرت هذا الظهور مع نيافة الأنبا موسى وكتبنا عنه مقالاً لمجلة الكرازة)، وظهرت فى الزيتون (عاينت هذا الظهور قبل الرهبنة)، كما ظهرت فى أسيوط. نحن نفرح بهذه الظهورات، وهى تنير وتعمل الكثير من المعجزات… هنا وأريدك أن تلاحظ أن كل ظهوراتها فى مصر هى فى كنائس قبطية أرثوذكسية، رغم أنه يكون بجوار نفس الكنيسة القبطية كنائس أخرى لكنها تظهر فقط فى الكنائس القبطية الأرثوذكسية.
كيف يأخذ الملائكة نورهم من العذراء؟!؟ هذا يجعل السؤال التالى يتبادر إلى الذهن: قبل أن تولد العذراء من أين كان الملائكة يأخذون نورهم؟ أم كانوا مظلمين؟!؟ طبعاً هذا مستحيل!
ثم يقول مؤلف هذا الكتاب:
“إن تجسد الكلمة وتأله الإنسان هو السر العظيم لإيماننا ولاهوتنا.”[7]
لكن أخطر شئ إلى جوار تأليه النعمة -بمعنى أن اللاهوت ليس هو فقط الجوهر الإلهى إنما هو أيضاً النعمة والطاقات- أخطر شئ هو أن الأب أنتونى م. كونياريس -من آباء كنائس الروم الأرثوذكس المعاصرين- حينما كتب عن التجسد والنعمة والجوهر فى الكتاب المترجم إلى اللغة العربية بعنوان “الأرثوذكسية قانون إيمان لكل العصور” قال ما نصه:
“إن الكلمة الذى صار جسداً فى يسوع، هو نفسه يجب أن يصير جسداً فينا، يجب أن يتكرر الاتحاد بين ما هو بشرى وما هى إلهى فى حياة كل مؤمن، بطريقة سرية.. أنا وأنت كأولاد وبنات الله ننال قوة، لنصير إمتداداً للتجسد… لنكون فى هذا العالم مسيحاً على الأرض، إمتداداً لتجسده… الكلمة الذى صار متجسداً فى بولس بطريقة سرية، يستطيع أن يتجسد أيضاً فينا بنفس الطريقة.”[8]
بمعنى أن يسوع الكلمة تجسد من العذراء مريم وأنت وضعفى عبارة عن ذراع ثالثة للمسيح أو أنف مثلاً!!!
لكن ما السبب فى ذلك؟ السبب نجده فى كتاب “التأله هدف حياة الإنسان” حيث ورد:
“نحن نتحد مع الله بواسطة قدراته غير المخلوقة وليس فى جوهره.“[9]
الكارثة الكبرى ليس فى أننا نصير الله -مع أن هذه فى حد ذاتها ممكن تصل إلى مرحلة التجديف على الله- لكن الكارثة الأشد هى أنه يقول أنه بنفس الطريقة التى تجسد بها الكلمة فى يسوع “نحن نتحد مع الله بواسطة قدراته غير المخلوقة”. أى أن ما تجسد فى بطن العذراء ليس جوهر أقنوم الكلمة لكن طاقة صادرة من أقنوم الكلمة. أى أن الجوهر الإلهى لم يتحد بالناسوت فى تجسد الكلمة. والأدهى من ذلك أن الطاقة الصادرة من أقنوم الكلمة “لها أصلها من الآب وتأتى إلينا من خلال الابن وتكتمل فى الروح القدس”[10] كما يقول الآباء القديسون، وبذلك يكون الثالوث هو الذى تجسد وليس الابن الوحيد لأن الطاقات الإلهية هى طاقات ثالوثية.
أقوال الآباء التى ترد على هذا المفهوم
هناك أقوال للآباء القديسين يقولون أن المسيح هو “مساو للآب فى الجوهر من حيث لاهوته ومساو لنا فى الجوهر من حيث ناسوته “.[11]
بهذه المفاهيم الغريبة نحن نلغى التجسد الإلهى لأن القديس أثناسيوس فى رده على الأريوسيين قال أن الطاقة مخلوقة وأن الجوهر غير مخلوق. ففى المقالة الثالثة للقديس أثناسيوس ضد الأريوسية الفقة رقم 62 فى المجلد الرابع من مجموعة آباء ما بعد نيقية ورد ما يلى:
“الرجل يبنى البيت بالمشورة، لكن بالطبيعة يلد إبناً؛ وما فى البناء بدأ فى الوجود بالإرادة، وهو خارجى عن الصانع؛ أما الابن فهو مولود حقيقى من جوهر الآب وليس خارجاً عنه؛ لذلك هو لا يأخذ مشورة فيما يخصه، لئلا يبدو كأنه يأخذ مشورة عن نفسه. وحيث أن الابن يفوق الخليقة هكذا فإن ما هو بالطبيعة يفوق ما هو بالإرادة.” [12]
ما هو الشئ الذى “بالإرادة”؟ أنها النعمة.. لكى نؤكد أنه يقصد النعمة نورد النص التالى للقديس أثناسيوس أيضاً الذى يفرق فيه بين الجوهر والطاقة الإلهية:
“لأنه إن لم يكن إبناً فهو ليس صورة. وإن لم يكن هناك إبن، كيف تقول إن الله خالق؟ بما أن كل الأشياء كائنة من خلال الكلمة وفى الحكمة وبدونهما لا يكون شئ، بينما تقول أن ليس له هذا الذى فيه ومن خلاله يصنع كل الأشياء. لأنه إن لم يكن الجوهر الإلهى هو نفسه مثمراً، لكن عقيماً كما يتمسكون، مثل نور لا ينير ومثل ينبوع جاف، فهل لا يخجلون حينما يتكلمون عن أن له طاقة خالقة؟ وبينما ينكرون ما هو بالطبيعة هل لا يحمرون خجلاً من وضع ما هو بالإرادة[13] قبله؟ لأنه إن كان يشكِّل الأشياء الخارجة عنه والتى لم تكن موجودة من قبل، بمجرد أن يشاء، فيصير صانعها، فبالأولى أن يكون أولاً والد لمولود من نفس جوهره لأنهم إن كانوا ينسبون لله الإرادة بخصوص الأشياء التى ليست موجودة فلماذا لا يدركون أن فى الله رباطات فوق الإرادة؟ هى أمور تفوق الإرادة، التى ينبغى أن يكونها بالطبيعة، وينبغى أن يكون أب لكلمته الخاص.”[14]
يقصد أن ما هو بالجوهر يفوق ما هو بالإرادة أى الطاقة. وقال أيضاً:
“إبن تعنى ما هو مطابق له وحقاً من الجوهر المبارك اللامتناه؛ لكن ما هو بحسب إرادته فقد تكوّن من خارج، وتشكل من خلال مولوده الخاص.” [15]
ثم يبدأ فى أن يبين أن الطاقة هى بالإرادة لكن ولادة الابن هى بالطبيعة، فيقول فى المقالة الرابعة ضد الأريوسيين:
“ابنه الخاص هو مولود منه بالطبيعة، وفيما يخصه هو فهو لم يستشر (مقصود التشاور بين أقانيم الثالوث وهو التدبير)[16] أما ولادة الابن وإنبثاق الروح القدس فهو بالطبيعة وبدون تشاور) قبلاً؛ لأن فيه الآب يصنع، وفيه يشكّل، أما بخصوص باقى الأشياء مهما كانت فهو يستشير[17]؛ كما يعلِّم يعقوب الرسول قائلاً: “شاء[18] فولدنا بكلمة الحق” (يع 1: 18). لذلك فإن مشيئة الله بخصوص كل الأشياء سواء مولودة ثانية أو مخلوقة من البداية، هى فى كلمته الذى فيه هو يصنع ويلد ثانية حسبما يرى.”[19]
هناك فرق بين الأشياء التى يخلقها وبين ما يلدها بالطبيعة.
فى كتاباتهم يقولون أن “الله ليس جوهره فقط بل طاقاته أيضاً”. ويقولون “إن قدرات الله هى قدرات إلهية إن هذه القدرات هى الله بدون أن تكون جوهره” نحن نرفض هذا الكلام تماماً. هذا مفهوم جديد تماماً: أن القدرة الإلهية هى الله.
يقول معلمنا بولس الرسول: “بِمُقْتَضَى الْقَصْدِ وَالنِّعْمَةِ الَّتِي أعْطِيَتْ لَنَا فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ قَبْلَ الأَزْمِنَةِ الأَزَلِيَّةِ وَإِنَّمَا اظْهِرَتِ الآنَ بِظُهُورِ مُخَلِّصِنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، الَّذِي أبْطَلَ الْمَوْتَ وَأَنَارَ الْحَيَاةَ وَ الْخُلُودَ بِوَاسِطَةِ الإِنْجِيلِ” (2تي1: 9، 10).
القصد هنا هى الإرادة.
ولئلا يظن أحد أننا نتكل فقط على أقوال القديس أثناسيوس نورد قول لإكليمندس السكندرى.
يقول إكليمندس السكندرى:
“الله ليس صالحاً لا إرادياً، مثل النار التى تكون ساخنة لا إرادياً. ولكن، فيه، تمنح الأمور الصالحة إرادياً.. لذلك، فإن الله لا يعمل الصلاح اضطراراً، لكنه يفيد الآخرين بحرية الاختيار التى له.” [20]
النعمة هى بحريته.
وبناءً عليه جهزنا مجموعة كبيرة من أقوال الآباء تؤكد المفهوم الذى شرحناه، وأيضاً تزيد الرؤية وضوحاً فى كل ما شرحنا.
كثيراً ما تقابلت مع الأب الدكتور إبراهيم خليل دبور فى قسم الإيمان والوحدة بمجلس كنائس الشرق الأوسط لأنه هو عضو في هذا القسم وأنا كنت عضو فى نفس القسم. وكنا أصدقاء، لكن الصداقة شئ والإيمان شئ.. وأنا أرجو إنى لو أرسلت له هذا البحث، أن الإعجاب الشديد بجل آثوس فى اليونان يتغير.
المشكلة أيضاً أن البروفيسور فلاسيوس فيداس بعد أن وقّع معنا على الإتفاقية اللاهوتية بأربع سنوات قابلنى فى دمشق وقال لى أنهم فى اليونان وروسيا وجبل آثوس لن يقبلوا “الاتحاد الطبيعى” natural union بين اللاهوت والناسوت فكنت غير فاهم لماذا يقول هذا؟! لكن وجدت أنه من خمسة عشر كنيسة للروم الأرثوذكس، ثلاث كنائس فقط هى من قبلت الاتفاقية اللاهوتية عن طبيعة المسيح.
قال أنهم لن يقبلوا الاتحاد الطبيعى الذى قال عنه القديس كيرلس عامود الدين e[nwsij kata fu,sin. كنت غير فاهم لأنهم إن كانوا يقولون أن الطبيعتان قد إتحدتا فما المشكلة؟ ثم إتضح أن عندهم شئ آخر لم نكن نعرفه، وهو أن هناك شئ آخر غير الجوهر هو الطاقة. وأنهم يقولون أن الطاقة هى التى تجسدت فى العذراء مريم وليس طبيعة الابن الإلهية.
لكن هل هذا يمثل رسمياً الموقف الكنسيى العام للكنائس الأرثوذكسية الخلقيدونية؟ لا أقدر أن أقول ذلك. لأن كنيسة رومانيا، وكنيسة أنطاكيا، وكنيسة الأسكندرية للروم الأرثوذكس، قبلوا الاتفاقية فى مجامعهم. لكن أيضاً بعض اللاهوتيين عندهم يتكلمون عن تأليه الإنسان، فهل هم يقولون هذا لأن هذا الفكر موجود عندهم أم ماذا؟ نحن نعمل ما علينا، والاختلاف لا يفسد للود قضية، وسوف أعطى نسخة من هذا البحث لأبونا إبراهيم لو قابلته، أو سوف أرسله إليه أقول له لو سمحت راجع المفاهيم على أقوال الآباء القديسين الأول.
البحث به أقوال للقديس أثناسيوس، والقديس باسيليوس، والقديس غريغوريوس النزينزى، والقديس كيرلس الكبير.
[1] حلقة حوار مفتوح الجمعة 15 يوليو 2016.
[2] الأرشمندريت جيورجيوس كابسانيس، رئيس دير البار غريغوريوس/جبل أثوس، “التألُّه هدف حياة الإنسان“، ترجمة الأب د. إبراهيم خليل دبور، الطبعة الثانية 2008، صفحة 37.
[3] يقصد الكاثوليك.
[4] نفس المرجع صفحة 35.
[5] نفس المرجع صفحة 26.
[6] نفس المرجع صفحة 26.
[7] نفس المرجع صفحة 27.
[8] “الأرثوذكسية قانون إيمان لكل العصور” تأليف الأب أنتونى كونياريس وترجمة الراهب يوئيل المقارى صفحة 151.
[9] “التأله هدف حياة الإنسان” صفحة 38.
[10] Schaff, P., and Wace, H., Nicene and Post-Nicene Fathers. Second Series, Grand Rapids, Mich. Eerdmans Publishing Company, 1978, series 2, Vol. V, Gregory of Nyssa, p. 334.
[11] McEnerney, John I., The Fathers of the Church: St. Cyril of Alexandria letters, Vol 76. Villanova, Penn. The Catholic University of America Press, 1987, Letter 46, par. 8 p.201.
[12] N & P.N. Fathers, Vol. IV, Athanasius, Four Discourses Against the Arians, Discourse III: 62.
[13] أى الطاقة.
[14] N & P.N. Fathers, Vol. IV, Athanasius, Four Discourses Against the Arians, Discourse II: 2, p. 349.
[15] N & P.N. Fathers, Vol. IV, Athanasius, Four Discourses Against the Arians, Discourse II :2, p. 349.
[16] أما ولادة الابن وإنبثاق الروح القدس فهو بالطبيعة وبدون تشاور. هل النور يستشير أحد لكى يلد شعاع؟
[17] أى يتشاور مع الابن والروح القدس وهذ هى المشورة الأزلية.
[18] أى بالإرادة وليس بالطبيعة.
[19] N & P.N. Fathers, Vol. IV, Athanasius, Four Discourses Against the Arians, Discourse III: 61.
[20] A.N. Fathers, Vol. II, Clement of Alexandria, p. 534.
=============================
تأليه الإنسان وتفسير عبارة القديس بطرس الرسول “شركاء الطبيعة الإلهية” الجزء الثاني
للأسف بدأت موجة جديدة يستخدم فيها البعض آية واحدة من الكتاب المقدس هى (2بط 1: 4). ومع خطورة إستخدام الآية الواحدة وإقتطاعها من السياق والنص الذى قيلت فيه فالبعض يحاول تفسيرها بدرجات متفاوتة فى تأييد بدعة تأليه الإنسان. حتى وصل الأمر بالبعض مثل الدكتور جورج حبيب بباوى وبعض رهبان دير أبى مقار إلى تحريف النص بإضافة خطيرة لم ترد فى النص الأصلى. ولكن الشئ المؤسف أن البعض بدأ يتعاطف مع التيار البيزنطى الخلقيدونى المتطرف الذى من مبتدعيه جريجورى بالاماس أسقف تسالونيكى فى القرن الرابع عشر الميلادى، ويدافعون عمن يندمجون فى هذا التيار. علماً بأن الكنائس البيزنطية الخلقيدونية المتشددة والمتطرفة لم تقبل الاتفاق اللاهوتى الذى قمنا بتوقيعه بين ممثلى عائلتى الكنائس الأرثوذكسية فى سويسرا سنة 1990م حول طبيعة السيد المسيح لمعالجة الانشقاق الخلقيدونى الذى عانت كنيستنا القبطية والكنيسة السريانية الأنطاكية الشقيقة الكثير على مدى التاريخ بسببه وظلت أمينة للإيمان المسلَّم مرة للقديسين.
الخروج على النص الكتابى:
هذه العبارة وردت فى النص اليونانى الذى كتبت به رسالة بطرس الثانية أصلاً “ثياس كينونى فيسيوس” qeiaV koinwnoi fusewV وفى الترجمة الإنجليزية: partakers of the divine nature (N.K.J) وفى الترجمة العربية “شركاء الطبيعة الإلهية”. ولم يرد إطلاقاً فى أى لغة سواء اللغة الأصلية اليونانية أو الترجمة لأى لغة حرف “فى” وهو en (إن) باليونانى و in بالإنجليزى.
ولكن للأسف فإن البعض مثل الدكتور جورج حبيب بباوى ورهبان دير أبى مقار يحرّفون هذه الآية عند تعرّضهم لها، ويقولون “شركاء فى الطبيعة الإلهية”.. هذا لم يقله الرسول بطرس لأنه لا يمكن إطلاقاً أن يشترك أى مخلوق فى طبيعة الله، أو فى كينونته، أو فى جوهره. ومن يدّعى ذلك يكون قد دخل فى خطأ لاهوتى خطير ضد الإيمان بالله، وبسمو جوهره وطبيعته فوق كل الخليقة. كما أن هذا الإدعاء هو لون من الكبرياء سقط فيه الشيطان من قبل حينما قال “أَصِيرُ مِثْلَ الْعَلِيِّ” (اش 14: 14).. الرب يحمينا من هذا الكبرياء المهلك.
تفسير قصد بطرس الرسول:
لم يقصد بطرس الرسول بقوله “لِكَيْ تَصِيرُوا بِهَا شُرَكَاءَ الطَّبِيعَةِ الإِلَهِيَّةِ“ (2بط1: 4)، أن هذا سوف يحدث فى هذه الحياة الحاضرة. بل كان يتكلم عن مواعيد سوف يكافأ بها القديسون الذين سوف يتكللون بالبر فى الحياة الأبدية والدليل على ذلك قوله ما يلى: “كَمَا أَنَّ قُدْرَتَهُ الإِلَهِيَّةَ قَدْ وَهَبَتْ لَنَا كُلَّ مَا هُوَ لِلْحَيَاةِ وَالتَّقْوَى، بِمَعْرِفَةِ الَّذِي دَعَانَا بِالْمَجْدِ وَالْفَضِيلَةِ، اللَّذَيْنِ بِهِمَا قَدْ وَهَبَ لَنَا الْمَوَاعِيدَ الْعُظْمَى وَالثَّمِينَةَ لِكَيْ تَصِيرُوا بِهَا شُرَكَاءَ الطَّبِيعَةِ الإِلَهِيَّةِ، هَارِبِينَ مِنَ الْفَسَادِ الَّذِي فِي الْعَالَمِ بِالشَّهْوَةِ… لِذَلِكَ بِالأَكْثَرِ اجْتَهِدُوا أَيُّهَا الإِخْوَةُ أَنْ تَجْعَلُوا دَعْوَتَكُمْ وَاخْتِيَارَكُمْ ثَابِتَيْنِ. لأَنَّكُمْ إِذَا فَعَلْتُمْ ذَلِكَ لَنْ تَزِلُّوا أَبَداً. لأَنَّهُ هَكَذَا يُقَدَّمُ لَكُمْ بِسِعَةٍ دُخُولٌ إِلَى مَلَكُوتِ رَبِّنَا وَمُخَلِّصِنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ الأَبَدِيِّ” (2بط1: 3 و10 و11).
هو يتكلم عن مواعيد لم ينلها أحد بعد وسوف تتحقق للداخلين بسعة إلى ملكوت ربنا ومخلصنا يسوع المسيح.
إن معلمنا بطرس الرسول يقصد أن حياة القداسة ضرورية لننال الوعد بميراث ملكوت الله. وهذا يقتضى الهروب من الفساد الذى فى العالم بالشهوة، والسلوك فى حياة المجد والفضائل الروحية.
وقد أكّد الرسول بطرس نفسه هذا المعنى فى رسالته الأولى بقوله “فَأَلْقُوا رَجَاءَكُمْ بِالتَّمَامِ عَلَى النِّعْمَةِ الَّتِي يُؤْتَى بِهَا إِلَيْكُمْ عِنْدَ اسْتِعْلاَنِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ. كَأَوْلاَدِ الطَّاعَةِ لاَ تُشَاكِلُوا شَهَوَاتِكُمُ السَّابِقَةَ فِي جَهَالَتِكُمْ، بَلْ نَظِيرَ الْقُدُّوسِ الَّذِي دَعَاكُمْ، كُونُوا أَنْتُمْ أَيْضاً قِدِّيسِينَ فِي كُلِّ سِيرَةٍ. لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: كُونُوا قِدِّيسِينَ لأَنِّي أَنَا قُدُّوسٌ” (1بط1: 13-16). ولكن الكتاب يقول فى تسبحة السمائيين للحمل (أى المسيح) “لأَنَّكَ وَحْدَكَ قُدُّوسٌ” (رؤ15: 4).
أما قول معلمنا بطرس الرسول “لِكَيْ تَصِيرُوا بِهَا شُرَكَاءَ الطَّبِيعَةِ الإِلَهِيَّةِ” فهو بمنتهى البساطة يقصد أن نشترك مع الله فى ملكوته الأبدى من خلال اشتراكنا فى قداسته حسب الوصية “كُونُوا قِدِّيسِينَ لأَنِّي أَنَا قُدُّوسٌ” وحتى الاشتراك فى قداسة الله هو مسألة نسبية، ليست مطلقة. فكمال الخليقة هو كمال نسبى، أما كمال الله فهو كمال مطلق. وقداسة الله قداسة طبيعية غير مكتسبة، أما قداسة القديسين فهى قداسة مكتسبة. وإلا فلماذا يقول السمائيين للسيد المسيح “لأَنَّكَ وَحْدَكَ قُدُّوسٌ” (رؤ15: 4).
إننا نشترك مع الله فى العمل مثلما قال معلمنا بولس الرسول عن نفسه وعن أبلوس “نَحْنُ عَامِلاَنِ مَعَ اللهِ” (1كو3: 9) نشترك مع الله فى الحياة الروحية مثل البركة الرسولية التى يُقال فيها {شركة وموهبة وعطية الروح القدس تكون مع جميعكم}.
وكما علّمنا قداسة البابا شنودة الثالث نيح الله نفسه ونفعنا بصلواته؛ فإن عبارة “شُرَكَاءَ الطَّبِيعَةِ الإِلَهِيَّةِ” تعنى فى العمل، فى الإرادة، فى الخلود، فى القداسة، فى الملكوت، فى السعادة الأبدية، فى الحب الذى قال عنه السيد المسيح للآب “أَيُّهَا الآبُ الْبَارُّ إِنَّ الْعَالَمَ لَمْ يَعْرِفْكَ أَمَّا أَنَا فَعَرَفْتُكَ وَهَؤُلاَءِ عَرَفُوا أَنَّكَ أَنْتَ أَرْسَلْتَنِي. وَعَرَّفْتُهُمُ اسْمَكَ وَسَأُعَرِّفُهُمْ لِيَكُونَ فِيهِمُ الْحُبُّ الَّذِي أَحْبَبْتَنِي بِهِ وَأَكُونَ أَنَا فِيهِمْ ” (يو17: 25-26).
إن السيد المسيح يقول للآب إن الحب الذى بينهما؛ من الممكن أن يكون فى التلاميذ. والمقصود نوع الحب وليس مقداره. لأن الآب غير محدود والابن غير محدود، فالحب الذى بينهما غير محدود. أما نحن فمحدودين، وننال من الحب الإلهى على قدر استطاعتنا. وبهذا توجد شركة المحبة بيننا وبين الله. ونصير شركاء الطبيعة الإلهية.. ولكن ليس شركاء فى الطبيعة الإلهية كما يتجاسر البعض ويقولون.
وقد أوردنا فى مقال سابق طويل أقوال عدد من الآباء القديسين مثل القديس أثناسيوس والقديس كيرلس الكبير والقديس باسيليوس الكبير فى شرح العقيدة السليمة وكذلك جدول مقارنة بين تعاليم الآباء وتعاليم أحد رهبان دير أبى مقار.
ونختم هذا المقال الحالى الذى أوردناه للرد على التيار الجديد الذى فوجئنا به من الراهب “سارافيم البرموسى” ومن يؤيدونه. نختم بفقرة هامة من رسالة القديس كيرلس السكندرى عامود الدين الثالثة إلى نسطور الفقرة رقم (9) والفقرة رقم (10) يوضح فيها أن حلول أقنوم الكلمة وإتحاده بالناسوت إتحاداً طبيعياً وأقنومياً يختلف تماماً عن حلول الروح القدس فى القديسين. ولا ننسى أن هذه الرسالة بالذات قد صدرت من المجمع المقدس السكندرى برئاسة القديس كيرلس وتضمنت الحروم الإثنى عشر ضد النسطورية:
الفقرة (9):
“وإذ نعترف بكل تأكيد أن الكلمة اتحد بالجسد أقنومياً، فإننا نسجد لإبن واحد الرب يسوع المسيح…
ولسنا نقول أن كلمة الله حل فى ذلك المولود من العذراء القديسة، كما فى إنسان عادى، لكى لا يُفهم أن المسيح هو “إنسان يحمل الله”. لأنه حتى إن كان “الكلمة حل بيننا” فإنه أيضاً قد قيل إن فى المسيح “يحل كل ملء اللاهوت جسدياً” (كو 2: 9). لذلك إذن نحن ندرك أنه إذ صار جسداً فلا يقال عن حلوله إنه مثل الحلول فى القديسين، ولا نحدد الحلول فيه أنه يتساوى وبنفس الطريقة كالحلول فى القديسين. ولكن الكلمة إذ اتحد “حسب الطبيعة” (kata fu,sin) ولم يتغيّر إلى جسد، فإنه حقق حلولاً مثلما يقال عن حلول نفس الإنسان فى جسدها الخاص.
الفقرة (10):
وكما قلنا سابقاً، فإن كلمة الله قد اتحد بالجسد أقنومياً (kaq‘ u`po,stasion)، فهو إله الكل ورب الجميع، وليس هو عبد لنفسه ولا سيد لنفسه.
الاتحاد الأقنومى
تعبير “الاتحاد الاقنومى” باللغة الإنجليزية هو hypostatic union وهو يعنى اتحاد طبيعتين متمايزتين إتحاداً طبيعياً فى شخص واحد. وقد استخدم القديس كيرلس الكبير هذا التعبير عن اتحاد الطبيعة الإلهية بالطبيعة البشرية فى شخص الله الكلمة، مؤكداّ أن الله الكلمة فى تجسده لم يتخذ شخصاً من البشر، ولكنه بنفس شخصه الواحد قد اتخذ الطبيعة البشرية الخاصة به بغير خطية من العذراء القديسة مريم بفعل الروح القدس، وبهذا فإن أقنوم كلمة الله المتجسد الواحد هو نتيجة إتحاد الطبيعتين فى الشخص الواحد لله الكلمة بغير اختلاط ولا إمتزاج ولا تغيير.
وينبغى أن نلاحظ أن الاتحاد الأقنومى بين اللاهوت والناسوت هو أمر يخص تجسد الله الكلمة وحده، ولا ينطبق على البشر إطلاقاً لأن حلول الروح القدس فى الإنسان هو للسكنى ومنح النعمة، أما حلول الله الكلمة فى الناسوت فهو بالاتحاد الطبيعى والأقنومى وليس مجرد سكنى لهذا قال القديس كيرلس فى رسالته الثالثة إلى نسطور (الرسالة 17 الفقرة 9): “وإذ نعترف بكل تأكيد أن الكلمة اتحد بالجسد أقنومياً، فإننا نسجد لإبن واحد الرب يسوع المسيح… ولسنا نقول أن كلمة الله حل فى ذلك المولود من العذراء القديسة، كما فى إنسان عادى، لكى لا يُفهم أن المسيح هو “إنسان يحمل الله”. لأنه حتى إن كان “الكلمة حل بيننا” فإنه أيضاً قد قيل إن فى المسيح “يحل كل ملء اللاهوت جسدياً” (كو 2: 9). لذلك إذن نحن ندرك أنه إذ صار جسداً فلا يقال عن حلوله إنه مثل الحلول فى القديسين، ولا نحدد الحلول فيه أنه يتساوى وبنفس الطريقة كالحلول فى القديسين. ولكن الكلمة إذ اتحد “حسب الطبيعة” ولم يتغيّر إلى جسد، فإنه حقق حلولاً مثلما يقال عن حلول نفس الإنسان فى جسدها الخاص.”
وينبغى أن نلاحظ أن القديس كيرلس قد استخدم تشبيه اتحاد روح الإنسان بجسده ليشرح كيف كوّن اللاهوت والناسوت طبيعة واحدة فى الاتحاد. وعاد فأكد ذلك فى رسالته إلى فالريان أسقف إيقونية (الرسالة 50 الفقرة 6) فقال: “يُعتَرَف أن أقنوم hypostasis الإنسان هو واحد وأن طبيعته واحدة، حتى بالرغم من أنه معروف عنها أنها مكونة من عناصر مختلفة متباينة الأنواع. لأن من المعروف أن الجسد من طبيعة مختلفة عن النفس، لكنه جسد النفس، ويكمّل أقنوم الإنسان الواحد. ورغم أن الفرق المذكور بين النفس والجسد ليس غامضاً فى عقلنا وتفكيرنا. إلا أن إجتماعهما معاً أو تقابلهما –لأنه غير مقسّم- يكوّن إنسان واحد حى.
إذاً لم يأت (يظهر) كلمة الله الوحيد الجنس كإنسان بأن أخذ إنساناً، بل -رغم أنه مولود بطريقة غير موصوفة من الله الآب- تأنس.”
الإتحاد الأقنومى فى تعليم القديس كيرلس الكبير
أوردنا سابقاً فى العدد 5، 6 بتاريخ 8/2/2013 نص الفقرة (9) من رسالة القديس كيرلس الكبير الثالثة إلى نسطور وفيها شرح أن “الاتحاد الأقنومى” فى تجسد الله الكلمة هو “إتحاد طبيعى” أى “حسب الطبيعة” (كاتا فيزين) بين لاهوته وناسوته، وفى العدد 45، 46 بتاريخ 22/11/2013 نص الفقرة (7) من نفس الرسالة والتى فيها يؤكد أن الكلمة المتجسد ليس من شخصين بل هو بنفس شخصه قد صار جسداً، ونضيف أقوالاً أخرى لنفس القديس حول “الاتحاد الأقنومى” الذى يعنى “إتحاد طبيعتين متمايزتين إتحاداً طبيعياً فى شخص واحد”:
الفقرة 3 من الرسالة رقم 4 وهى الرسالة الأولى لنسطور:
“ولذلك قال المجمع المقدس العظيم (مجمع نيقية) أن الإبن الوحيد الجنس نفسه مولود من الله الآب حسب الطبيعة، الإله الحق من إله حق، النور الذى من النور، وهو الذى به صنع الآب كل الأشياء، نزل، وتجسد وتأنس، وتألم، وقام فى اليوم الثالث وصعد إلى السموات. وينبغى علينا أن نتبع التعاليم والعقائد، مدركين ماذا يعنى أنه تجسد. تدل هذه اللفظة على أن الكلمة الذى من الله، تأنس. ونحن لا نقول أن طبيعة الكلمة تغيرت حينما صار جسداً. وأيضاً نحن لا نقول أن الكلمة قد تغير إلى إنسان كامل من نفس وجسد. بل بالأحرى نقول أن الكلمة قد “وحّد مع نفسه أقنومياً”، جسداً مُحياً بنفس عاقلة، وصار إنساناً بطريقة لا يمكن التعبير عنها أو إدراكها. وهو قد دُعى ابن الإنسان ليس بحسب الرغبة فقط ولا بحسب الإرادة الصالحة، بل أيضاً ليس باتخاذه شخصاً معيناً. ونحن نقول أنه على الرغم أن الطبيعتين اللتين اجتمعتا معاً فى وحدة حقيقية مختلفتان، فإنه يوجد مسيح واحد وابن واحد من الإثنين. إن اختلاف الطبائع لم يبطل بسبب الاتحاد، بل بالحرى فإن هذا الاتحاد الذى يفوق الفهم والوصف كون لنا من اللاهوت والناسوت رباً واحداً يسوع المسيح وإبناً واحداً.”
الفقرة 4 من نفس الرسالة:
“وهكذا فرغم أن له وجوداً قبل الدهور وقد وُلد من الآب، فإنه يقال أيضاً إنه ولد حسب الجسد من إمرأة، كما أن طبيعته الإلهية لا تحتاج لنفسها بالضرورة إلى ولادة أخرى بعد الولادة من الآب. إن القول بأن ذلك الذى هو موجود قبل كل الدهور وهو أزلى مع الآب، يحتاج إلى بداية ثانية لكى يوجد، إنما هو أمر بلا غاية وفى نفس الوقت هو قول أحمق. ولكن حيث إنه من أجلنا ومن أجل خلاصنا “وحّد الطبيعة البشرية بنفسه أقنومياً”، وولد من إمرأة، فإنه بهذه الطريقة يقال إنه قد ولد جسدياً. لأنه لم يولد أولاً إنساناً عادياً من العذراء القديسة ثم بعد ذلك حلّ عليه الكلمة، بل إذ قد اتحد بالجسد الذى من أحشائها، فيقال إن الكلمة قد قَبِلَ الولادة الجسدية، لكى ينسب إلى نفسه ولادة جسده الخاص.”
بقلم الأنبا بيشوى
أ- بين الحلول الأقنومى والاتحاد الأقنومى
هناك موضوع حوله تساؤلات كثيرة جداً، وحوارات كثيرة جداً، وهو الجوهر الإلهى والنعمة أو الطاقة الإلهية.
كثيرون يسألوننى هل حل الروح القدس يوم الخمسين بجوهره أم بطاقاته أو نعمه؟ ويتسألون هل نسميه حلول أقنومي أم أنه ليس حلولاً أقنومياً؟
الرد هو أن بعض الآباء يبتعدون عن عبارة “الحلول الأقنومى” تحاشياً لمفهوم الإتحاد الأقنومى، لأن الاتحاد الأقنومى حدث فى تجسد الكلمة فقط. فى تجسد الكلمة حدث حلولاً أقنومياً مقترناً بالتجسد، وهو أن الله الكلمة حل وإتحد بالناسوت. إذن كان هناك حلول وفى نفس التوقيت وبدون فارق زمنى كان هناك إتحاد. فلئلا يفهم أحد عبارة “الحلول الأقنومى” بمعنى أن هناك اتحاداً الأقنومياً مع الروح القدس علينا فنصير نحن الروح القدس، كما إتحد أقنوم الكلمة بناسوته صار هو الابن الوحيد الجنس، وهو نفسه الله الكلمة، لكن بحسب لاهوته مولود من الآب قبل كل الدهور، وبحسب ناسوته مولود من السيدة العذراء. بحسب لاهوته مساو للآب فى الجوهر، وبحسب ناسوته مساو لنا بلا خطية.
إذن من يتحاشون عبارة “الحلول الأقنومى” يريدون أن يبعدوا عن الأذهان فكرة الاتحاد الأقنومى. لكن إن تكلم أحد بوضوح وقال أنه فى يوم الخمسين حدث حلول أقنومى للروح القدس بدون إتحاد أقنومى فى هذه الحالة تُرفَع المحاذير. لم يحدث إتحاد بجوهر الروح القدس.
لا أستطيع أن أنكر أن الروح القدس قد حل فى يوم الخمسين. لكن ما الذى أخذه الآباء الرسل؟ هل أخذوا جوهر الروح القدس أم نعمته؟ طبعاً أخذوا نعمة أى طاقة. يقول الكتاب “أَلْسِنَةٌ مُنْقَسِمَةٌ” (أع2: 3) والروح القدس جوهره لا ينقسم، إذن هى النعمة..
لكن من الذى وهب هذه الألسنة؟ من هو الواهب؟ إنه الروح القدس..
الواهب هو أقنوم الروح القدس لكن ما هى العطية؟ العطية هى النعمة بكل أنواعها. لذلك فإن معلمنا بولس الرسول فى رسالته لأهل كرونثوس يقول “الرُّوحُ الْوَاحِدُ بِعَيْنِهِ قَاسِماً لِكُلِّ وَاحِدٍ بِمُفْرَدِهِ كَمَا يَشَاءُ” (1كو12: 11). لاحظوا هنا كلمة “قاسماً” أى أنه يقسم المواهب معطياً واحد كما يشاء. فيعطى لواحد موهبة شفاء، ولآخر موهبة إخراج شياطين، ولثالث موهبة صنع معجزات، ولغيره موهبة ترجمة ألسنة لأن البشارة بالإنجيل كان لابد أن تنتشر، ولآخر موهبة ألسنة، وهكذا.. ذكر معلمنا بولس تسع أنواع من مواهب الروح القدس، ويقول “قاسماً” أى أن هناك عملية توزيع.
نحن نقول أن الروح القدس حاضر فى كل مكان.. هل قبل أن يحل الروح القدس فى يوم الخمسين لم يكن موجوداً؟! إذن المقصود بحلول الروح القدس يوم الخمسين هو أنه بدأ يمنح.
هذا نقوله أيضاً عن الإرسال. فالروح القدس مرسل من الآب والابن، لكنه حاضر فى كل مكان، لكن حينما بدأ أن يعمل ويعطى المواهب، والثمار، وفعله فى الأسرار، هذا هو المرتبط بكلمة “الإرسال”.
مثال للتوضيح: إذا كان هناك طبيب جالساً بجوار المريض، والسماعة فى حقيبته والترمومتر فى جرابه وهو لا يقوم بأى عمل، فما الذى إستفدناه منه؟ أما إذا جاءته مكالمة من شخص عزيز كوالده مثلاً تطالبه بالقيام بعلاج هذا المريض بسرعة، فإنه يبدأ بفتح حقيبته الطبية ثم يبدأ بممارسة مهنته كطبيب. المتصل هنا كأنه أرسل الطبيب لهذا المريض، أما حينما كان الطبيب موجوداً ولا يقوم بدوره، لم يكن المريض مستفيداً من وجوده.
الإرسال لا يعنى أن الروح القدس تحرك من مكان لآخر لأنه حاضر فى كل مكان. نحن نقول فى قطع صلاة الساعة الثالثة “أيها الملك السمائى المعزى روح الحق الحاضر فى كل مكان المالئ الكل كنز الصالحات ومعطى الحياة..” هو حاضر فى كل مكان لكن المقصود بالإرسال هو أنه بدأ يعمل.. ماذا يعمل؟ إنه يعمل أموراً كثيرة.
ماذا عن السكنى؟ هل الروح القدس ساكن فينا؟
الروح القدس مالئ الوجود كله إذن هو موجود فينا.. لكن من الممكن أن يكون موجوداً لكنه متقزز لأبعد حد. والدليل أنه يقول “لاَ تُحْزِنُوا رُوحَ اللهِ الْقُدُّوسَ الَّذِي بِهِ خُتِمْتُمْ لِيَوْمِ الْفِدَاءِ” (أف4: 30). ويقول “أَمَا تَعْلَمُونَ أَنَّكُمْ هَيْكَلُ اللهِ وَرُوحُ اللهِ يَسْكُنُ فِيكُمْ؟ إِنْ كَانَ أَحَدٌ يُفْسِدُ هَيْكَلَ اللهِ فَسَيُفْسِدُهُ اللهُ لأَنَّ هَيْكَلَ اللهِ مُقَدَّسٌ الَّذِي أَنْتُمْ هُوَ” (1كو3: 16، 17). هو فى البداية كان حاضراً فى كل مكان ومتقززاً من أعمال البشر، لكن لم نكن هياكل الله. أما حينما يسكن الروح القدس فى إنسان كهيكل، مثل الهيكل المدشن فى الكينسة، ثم يعود هذا الإنسان يرتكب خطية، فإنه يكون كمن يخطئ داخل الهيكل؟!
حدث مرة حينما إقترب شعب إسرائيل من موآب أن الشعب إبتدأوا يزنون مع بنات مؤاب حتى أن أحدهم أحضر المؤابية إلى داخل خيمة الاجتماع وأخطأ معها هناك، فدخل فينحاس إبن ألعازر إبن هرون وقتلهما. فتوقف الوبأ الذى أرسله الله بسبب أن بنى إسرائيل زنوا مع المؤابيات وأكلوا مما ذبح للأوثان وأيضاً سجدوا لآلهتهم فغضب الله. فرد فينحاس سخط الله لأنه غار غيرته (أنظر عدد 25).
يقول الكتاب أيضاً “لاَ تُطْفِئُوا الرُّوحَ” (1تس5: 19). إذن حرارة الحب الإلهى التى يشعلها فينا تنطفئ بالانشغال بالأمور المادية، والعالمية، والتسليات، والكلام العالمى. أما من يفتح قنوات غير أخلاقية فإنه يحزن الروح القدس، ثم، تبدأ الشهوات فى التحرك بداخله فيفسد هيكل الله وقيل أنه “إِنْ كَانَ أَحَدٌ يُفْسِدُ هَيْكَلَ اللهِ فَسَيُفْسِدُهُ اللهُ”.
هناك سجال حول سؤال هل الروح القدس يسكن فينا أم لا؟ لا يجب أن هناك سجال حول هذا الموضوع لأن الروح القدس حاضر فى كل مكان، لكن لما يسكن فينا عندما نمسح بالمسحة المقدسة حينئذ نصير هيكلاً للروح القدس. لكن إحترس يا حبيبى: “إِنْ كَانَ أَحَدٌ يُفْسِدُ هَيْكَلَ اللهِ فَسَيُفْسِدُهُ اللهُ”.. حينما صرت هيكلاً للروح القدس الأمر صار أكثر خطورة من ذى قبل.
ب-بين الطاقة والجوهر
إكتشفت أيضاً مسألة بدأت فى الانتشار، وهى وجود مفهوم آخر فى موضوع الجوهر والطاقة (أو النعمة) بالنسبة لله. كلنا كنا نفهم أن الجوهر هو اللاهوت، والطاقة أو النعمة ليست هى الله، لكنها عطايا إلهية أو هبات. فبدأ البعض يقولون أن حتى هذه الهبات هى الله نفسه.
أحد أصدقائى أنا شخصياً اسمه الآب الدكتور إبراهيم خليل دبور من الروم الأرثوذكس فى الأردن قام بترجمة كتاب بعنوان “التأله هدف حياة الإنسان”، من الكتاب الأصلى الإنجليزى Theosis the True Purpose of Life. هذا الكتاب هو من تأليف الأرشمندريت جيورجيوس كابسانيس رئيس دير غريغوريوس بجل آثوس. وقد قابلت بنفسى الأرشمندريت جيورجيوس رئيس الدير هذا لمدة ثلاث ساعات فى أثينا، كنت أتفاهم معه بخصوص الاتفاق اللاهوتى بيننا وبين الروم الأرثوذكس، وكانت الجلسة ودية، أرسل لى بعدها برسالة قال فيها أن الجلسة جعلتنا نتقدم فى فهم مضمون الاتفاقية، لكن لازالت لديه تساؤلات.
أن صداقتنا مع الأب جيورجيوس المؤلف وأيضاً مع المترجم الآب إبراهيم خليل دبور لا تمنع أن نرد على ما فى الكتاب من مفاهيم، لأن هذا الكتاب تمت طباعته أكثر من مرة، وهو يوزع مجاناً، ونحن لنا شعب قبطى أرثوذكسى فى الأردن. إننا نحب الأردن عموماً، يكفى أن بها المكان الذى تعمد فيه السيد المسيح، وقد قمنا بزيارته مع قداسة البابا شنودة الثالث الله ينيح نفسه وينفعنا بصلواته.
فى هذا الكتاب هناك كلاماً مفزعاً! حيث يقول:
“إن قدرات الله هى قدرات إلهية، إن هذه القدرات هى الله بدون أن تكون جوهره، إنها الله لذلك تؤله الإنسان“.[2]
وكتب أيضاً:
“إن الله ليس وحسب جوهراً كما يعلّم الغربيون[3]، ولكن عنده أيضاً قدرة. فلو أن الله كان فقط جوهراً لما استطعنا أن نتحد به أو أن تكون لنا به علاقة لأن جوهر الله مخيف ولا يمكن للإنسان أن يقترب إليه، بحسب الخروج (33: 20)”.[4]
هذا المفهوم عجيب جداً!!! لم أكن أعلم أنه موجود عندهم، لكن من كلامه فى هذا الكتاب إتضح أن هذا المفهوم موجود منذ القرن الثالث عشر فى منطقة تسالونيكى فى اليونان وجبل آثوس.
هناك فى جبل آثوس أناس يصعب التفاهم معهم لدرجة أن أبونا جيورجيوس هذا أعطانى هدية عن الدير الذى يرأسه، لكنه قال لى لن أستطع أن تلتقط لى صورة فوتوغرافية معك لئلا يرانى الرهبان القاطنين فى الجبل ويثوروا علىّ! هم يعتبرون أننا أوطاخيين، ومونوفيزيتيين، ونمزج اللاهوت بالناسوت. نحن فى نظرهم متهمين، حتى أننا حينما نذهب إلى هناك بعض الأديرة ترفض أن تسلم علينا مجرد سلام، أو أن يأكلوا معنا طعاماً عادياً على مائدة، أو أن نحضر صلوات فى كنيسة لهم. يصعب التعامل معهم جداً. لكنى كنت أعتبر أنهم ربما يحتاجون من يشرح لهم، وفعلاً ذهب لمقابلة الرجل..
أما ما إكتشفته الآن فهو أخطر بكثير!
إنهم يعتبرون أن الطاقة الصادرة من الله هى الله، فإذا إتحدنا نحن بهذه الطاقة أو النعمة نتأله! سأعطى لذلك مثلاً من إقتباس لأسقف تسالونيكى فى القرن الثالث عشر ورد فى هذا الكتاب يقول فيه عن السيدة العذراء مريم:
“إن كلية القداسة تأتى بعد الثالوث الأقدس مباشرة، هى إله بعد الله. هى الخط الفاصل بين الخالق والمخلوق.”[5]
كما أورد الأب جيورجيوس إقتباساً آخر لأحد أبائهم اسمه نيقوديموس الأثوسى يصفه بأنه الكاروب المنير ومعلم الكنيسة يقول فيه:
“إن طغمات الملائكة يأخذون نورهم من النور الذى يشع من مريم العذراء.”[6]
لقد ظهرت السيدة العذراء مريم فى الوراق (كتبت مقالة تأييداً لهذا الظهور)، وظهرت فى بابادبلو (حضرت هذا الظهور مع نيافة الأنبا موسى وكتبنا عنه مقالاً لمجلة الكرازة)، وظهرت فى الزيتون (عاينت هذا الظهور قبل الرهبنة)، كما ظهرت فى أسيوط. نحن نفرح بهذه الظهورات، وهى تنير وتعمل الكثير من المعجزات… هنا وأريدك أن تلاحظ أن كل ظهوراتها فى مصر هى فى كنائس قبطية أرثوذكسية، رغم أنه يكون بجوار نفس الكنيسة القبطية كنائس أخرى لكنها تظهر فقط فى الكنائس القبطية الأرثوذكسية.
كيف يأخذ الملائكة نورهم من العذراء؟!؟ هذا يجعل السؤال التالى يتبادر إلى الذهن: قبل أن تولد العذراء من أين كان الملائكة يأخذون نورهم؟ أم كانوا مظلمين؟!؟ طبعاً هذا مستحيل!
ثم يقول مؤلف هذا الكتاب:
“إن تجسد الكلمة وتأله الإنسان هو السر العظيم لإيماننا ولاهوتنا.”[7]
لكن أخطر شئ إلى جوار تأليه النعمة -بمعنى أن اللاهوت ليس هو فقط الجوهر الإلهى إنما هو أيضاً النعمة والطاقات- أخطر شئ هو أن الأب أنتونى م. كونياريس -من آباء كنائس الروم الأرثوذكس المعاصرين- حينما كتب عن التجسد والنعمة والجوهر فى الكتاب المترجم إلى اللغة العربية بعنوان “الأرثوذكسية قانون إيمان لكل العصور” قال ما نصه:
“إن الكلمة الذى صار جسداً فى يسوع، هو نفسه يجب أن يصير جسداً فينا، يجب أن يتكرر الاتحاد بين ما هو بشرى وما هى إلهى فى حياة كل مؤمن، بطريقة سرية.. أنا وأنت كأولاد وبنات الله ننال قوة، لنصير إمتداداً للتجسد… لنكون فى هذا العالم مسيحاً على الأرض، إمتداداً لتجسده… الكلمة الذى صار متجسداً فى بولس بطريقة سرية، يستطيع أن يتجسد أيضاً فينا بنفس الطريقة.”[8]
بمعنى أن يسوع الكلمة تجسد من العذراء مريم وأنت وضعفى عبارة عن ذراع ثالثة للمسيح أو أنف مثلاً!!!
لكن ما السبب فى ذلك؟ السبب نجده فى كتاب “التأله هدف حياة الإنسان” حيث ورد:
“نحن نتحد مع الله بواسطة قدراته غير المخلوقة وليس فى جوهره.“[9]
الكارثة الكبرى ليس فى أننا نصير الله -مع أن هذه فى حد ذاتها ممكن تصل إلى مرحلة التجديف على الله- لكن الكارثة الأشد هى أنه يقول أنه بنفس الطريقة التى تجسد بها الكلمة فى يسوع “نحن نتحد مع الله بواسطة قدراته غير المخلوقة”. أى أن ما تجسد فى بطن العذراء ليس جوهر أقنوم الكلمة لكن طاقة صادرة من أقنوم الكلمة. أى أن الجوهر الإلهى لم يتحد بالناسوت فى تجسد الكلمة. والأدهى من ذلك أن الطاقة الصادرة من أقنوم الكلمة “لها أصلها من الآب وتأتى إلينا من خلال الابن وتكتمل فى الروح القدس”[10] كما يقول الآباء القديسون، وبذلك يكون الثالوث هو الذى تجسد وليس الابن الوحيد لأن الطاقات الإلهية هى طاقات ثالوثية.
أقوال الآباء التى ترد على هذا المفهوم
هناك أقوال للآباء القديسين يقولون أن المسيح هو “مساو للآب فى الجوهر من حيث لاهوته ومساو لنا فى الجوهر من حيث ناسوته “.[11]
بهذه المفاهيم الغريبة نحن نلغى التجسد الإلهى لأن القديس أثناسيوس فى رده على الأريوسيين قال أن الطاقة مخلوقة وأن الجوهر غير مخلوق. ففى المقالة الثالثة للقديس أثناسيوس ضد الأريوسية الفقة رقم 62 فى المجلد الرابع من مجموعة آباء ما بعد نيقية ورد ما يلى:
“الرجل يبنى البيت بالمشورة، لكن بالطبيعة يلد إبناً؛ وما فى البناء بدأ فى الوجود بالإرادة، وهو خارجى عن الصانع؛ أما الابن فهو مولود حقيقى من جوهر الآب وليس خارجاً عنه؛ لذلك هو لا يأخذ مشورة فيما يخصه، لئلا يبدو كأنه يأخذ مشورة عن نفسه. وحيث أن الابن يفوق الخليقة هكذا فإن ما هو بالطبيعة يفوق ما هو بالإرادة.” [12]
ما هو الشئ الذى “بالإرادة”؟ أنها النعمة.. لكى نؤكد أنه يقصد النعمة نورد النص التالى للقديس أثناسيوس أيضاً الذى يفرق فيه بين الجوهر والطاقة الإلهية:
“لأنه إن لم يكن إبناً فهو ليس صورة. وإن لم يكن هناك إبن، كيف تقول إن الله خالق؟ بما أن كل الأشياء كائنة من خلال الكلمة وفى الحكمة وبدونهما لا يكون شئ، بينما تقول أن ليس له هذا الذى فيه ومن خلاله يصنع كل الأشياء. لأنه إن لم يكن الجوهر الإلهى هو نفسه مثمراً، لكن عقيماً كما يتمسكون، مثل نور لا ينير ومثل ينبوع جاف، فهل لا يخجلون حينما يتكلمون عن أن له طاقة خالقة؟ وبينما ينكرون ما هو بالطبيعة هل لا يحمرون خجلاً من وضع ما هو بالإرادة[13] قبله؟ لأنه إن كان يشكِّل الأشياء الخارجة عنه والتى لم تكن موجودة من قبل، بمجرد أن يشاء، فيصير صانعها، فبالأولى أن يكون أولاً والد لمولود من نفس جوهره لأنهم إن كانوا ينسبون لله الإرادة بخصوص الأشياء التى ليست موجودة فلماذا لا يدركون أن فى الله رباطات فوق الإرادة؟ هى أمور تفوق الإرادة، التى ينبغى أن يكونها بالطبيعة، وينبغى أن يكون أب لكلمته الخاص.”[14]
يقصد أن ما هو بالجوهر يفوق ما هو بالإرادة أى الطاقة. وقال أيضاً:
“إبن تعنى ما هو مطابق له وحقاً من الجوهر المبارك اللامتناه؛ لكن ما هو بحسب إرادته فقد تكوّن من خارج، وتشكل من خلال مولوده الخاص.” [15]
ثم يبدأ فى أن يبين أن الطاقة هى بالإرادة لكن ولادة الابن هى بالطبيعة، فيقول فى المقالة الرابعة ضد الأريوسيين:
“ابنه الخاص هو مولود منه بالطبيعة، وفيما يخصه هو فهو لم يستشر (مقصود التشاور بين أقانيم الثالوث وهو التدبير)[16] أما ولادة الابن وإنبثاق الروح القدس فهو بالطبيعة وبدون تشاور) قبلاً؛ لأن فيه الآب يصنع، وفيه يشكّل، أما بخصوص باقى الأشياء مهما كانت فهو يستشير[17]؛ كما يعلِّم يعقوب الرسول قائلاً: “شاء[18] فولدنا بكلمة الحق” (يع 1: 18). لذلك فإن مشيئة الله بخصوص كل الأشياء سواء مولودة ثانية أو مخلوقة من البداية، هى فى كلمته الذى فيه هو يصنع ويلد ثانية حسبما يرى.”[19]
هناك فرق بين الأشياء التى يخلقها وبين ما يلدها بالطبيعة.
فى كتاباتهم يقولون أن “الله ليس جوهره فقط بل طاقاته أيضاً”. ويقولون “إن قدرات الله هى قدرات إلهية إن هذه القدرات هى الله بدون أن تكون جوهره” نحن نرفض هذا الكلام تماماً. هذا مفهوم جديد تماماً: أن القدرة الإلهية هى الله.
يقول معلمنا بولس الرسول: “بِمُقْتَضَى الْقَصْدِ وَالنِّعْمَةِ الَّتِي أعْطِيَتْ لَنَا فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ قَبْلَ الأَزْمِنَةِ الأَزَلِيَّةِ وَإِنَّمَا اظْهِرَتِ الآنَ بِظُهُورِ مُخَلِّصِنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، الَّذِي أبْطَلَ الْمَوْتَ وَأَنَارَ الْحَيَاةَ وَ الْخُلُودَ بِوَاسِطَةِ الإِنْجِيلِ” (2تي1: 9، 10).
القصد هنا هى الإرادة.
ولئلا يظن أحد أننا نتكل فقط على أقوال القديس أثناسيوس نورد قول لإكليمندس السكندرى.
يقول إكليمندس السكندرى:
“الله ليس صالحاً لا إرادياً، مثل النار التى تكون ساخنة لا إرادياً. ولكن، فيه، تمنح الأمور الصالحة إرادياً.. لذلك، فإن الله لا يعمل الصلاح اضطراراً، لكنه يفيد الآخرين بحرية الاختيار التى له.” [20]
النعمة هى بحريته.
وبناءً عليه جهزنا مجموعة كبيرة من أقوال الآباء تؤكد المفهوم الذى شرحناه، وأيضاً تزيد الرؤية وضوحاً فى كل ما شرحنا.
كثيراً ما تقابلت مع الأب الدكتور إبراهيم خليل دبور فى قسم الإيمان والوحدة بمجلس كنائس الشرق الأوسط لأنه هو عضو في هذا القسم وأنا كنت عضو فى نفس القسم. وكنا أصدقاء، لكن الصداقة شئ والإيمان شئ.. وأنا أرجو إنى لو أرسلت له هذا البحث، أن الإعجاب الشديد بجل آثوس فى اليونان يتغير.
المشكلة أيضاً أن البروفيسور فلاسيوس فيداس بعد أن وقّع معنا على الإتفاقية اللاهوتية بأربع سنوات قابلنى فى دمشق وقال لى أنهم فى اليونان وروسيا وجبل آثوس لن يقبلوا “الاتحاد الطبيعى” natural union بين اللاهوت والناسوت فكنت غير فاهم لماذا يقول هذا؟! لكن وجدت أنه من خمسة عشر كنيسة للروم الأرثوذكس، ثلاث كنائس فقط هى من قبلت الاتفاقية اللاهوتية عن طبيعة المسيح.
قال أنهم لن يقبلوا الاتحاد الطبيعى الذى قال عنه القديس كيرلس عامود الدين e[nwsij kata fu,sin. كنت غير فاهم لأنهم إن كانوا يقولون أن الطبيعتان قد إتحدتا فما المشكلة؟ ثم إتضح أن عندهم شئ آخر لم نكن نعرفه، وهو أن هناك شئ آخر غير الجوهر هو الطاقة. وأنهم يقولون أن الطاقة هى التى تجسدت فى العذراء مريم وليس طبيعة الابن الإلهية.
لكن هل هذا يمثل رسمياً الموقف الكنسيى العام للكنائس الأرثوذكسية الخلقيدونية؟ لا أقدر أن أقول ذلك. لأن كنيسة رومانيا، وكنيسة أنطاكيا، وكنيسة الأسكندرية للروم الأرثوذكس، قبلوا الاتفاقية فى مجامعهم. لكن أيضاً بعض اللاهوتيين عندهم يتكلمون عن تأليه الإنسان، فهل هم يقولون هذا لأن هذا الفكر موجود عندهم أم ماذا؟ نحن نعمل ما علينا، والاختلاف لا يفسد للود قضية، وسوف أعطى نسخة من هذا البحث لأبونا إبراهيم لو قابلته، أو سوف أرسله إليه أقول له لو سمحت راجع المفاهيم على أقوال الآباء القديسين الأول.
البحث به أقوال للقديس أثناسيوس، والقديس باسيليوس، والقديس غريغوريوس النزينزى، والقديس كيرلس الكبير.
[1] حلقة حوار مفتوح الجمعة 15 يوليو 2016.
[2] الأرشمندريت جيورجيوس كابسانيس، رئيس دير البار غريغوريوس/جبل أثوس، “التألُّه هدف حياة الإنسان“، ترجمة الأب د. إبراهيم خليل دبور، الطبعة الثانية 2008، صفحة 37.
[3] يقصد الكاثوليك.
[4] نفس المرجع صفحة 35.
[5] نفس المرجع صفحة 26.
[6] نفس المرجع صفحة 26.
[7] نفس المرجع صفحة 27.
[8] “الأرثوذكسية قانون إيمان لكل العصور” تأليف الأب أنتونى كونياريس وترجمة الراهب يوئيل المقارى صفحة 151.
[9] “التأله هدف حياة الإنسان” صفحة 38.
[10] Schaff, P., and Wace, H., Nicene and Post-Nicene Fathers. Second Series, Grand Rapids, Mich. Eerdmans Publishing Company, 1978, series 2, Vol. V, Gregory of Nyssa, p. 334.
[11] McEnerney, John I., The Fathers of the Church: St. Cyril of Alexandria letters, Vol 76. Villanova, Penn. The Catholic University of America Press, 1987, Letter 46, par. 8 p.201.
[12] N & P.N. Fathers, Vol. IV, Athanasius, Four Discourses Against the Arians, Discourse III: 62.
[13] أى الطاقة.
[14] N & P.N. Fathers, Vol. IV, Athanasius, Four Discourses Against the Arians, Discourse II: 2, p. 349.
[15] N & P.N. Fathers, Vol. IV, Athanasius, Four Discourses Against the Arians, Discourse II :2, p. 349.
[16] أما ولادة الابن وإنبثاق الروح القدس فهو بالطبيعة وبدون تشاور. هل النور يستشير أحد لكى يلد شعاع؟
[17] أى يتشاور مع الابن والروح القدس وهذ هى المشورة الأزلية.
[18] أى بالإرادة وليس بالطبيعة.
[19] N & P.N. Fathers, Vol. IV, Athanasius, Four Discourses Against the Arians, Discourse III: 61.
[20] A.N. Fathers, Vol. II, Clement of Alexandria, p. 534.
=============================
تأليه الإنسان وتفسير عبارة القديس بطرس الرسول “شركاء الطبيعة الإلهية” الجزء الثاني
للأسف بدأت موجة جديدة يستخدم فيها البعض آية واحدة من الكتاب المقدس هى (2بط 1: 4). ومع خطورة إستخدام الآية الواحدة وإقتطاعها من السياق والنص الذى قيلت فيه فالبعض يحاول تفسيرها بدرجات متفاوتة فى تأييد بدعة تأليه الإنسان. حتى وصل الأمر بالبعض مثل الدكتور جورج حبيب بباوى وبعض رهبان دير أبى مقار إلى تحريف النص بإضافة خطيرة لم ترد فى النص الأصلى. ولكن الشئ المؤسف أن البعض بدأ يتعاطف مع التيار البيزنطى الخلقيدونى المتطرف الذى من مبتدعيه جريجورى بالاماس أسقف تسالونيكى فى القرن الرابع عشر الميلادى، ويدافعون عمن يندمجون فى هذا التيار. علماً بأن الكنائس البيزنطية الخلقيدونية المتشددة والمتطرفة لم تقبل الاتفاق اللاهوتى الذى قمنا بتوقيعه بين ممثلى عائلتى الكنائس الأرثوذكسية فى سويسرا سنة 1990م حول طبيعة السيد المسيح لمعالجة الانشقاق الخلقيدونى الذى عانت كنيستنا القبطية والكنيسة السريانية الأنطاكية الشقيقة الكثير على مدى التاريخ بسببه وظلت أمينة للإيمان المسلَّم مرة للقديسين.
الخروج على النص الكتابى:
هذه العبارة وردت فى النص اليونانى الذى كتبت به رسالة بطرس الثانية أصلاً “ثياس كينونى فيسيوس” qeiaV koinwnoi fusewV وفى الترجمة الإنجليزية: partakers of the divine nature (N.K.J) وفى الترجمة العربية “شركاء الطبيعة الإلهية”. ولم يرد إطلاقاً فى أى لغة سواء اللغة الأصلية اليونانية أو الترجمة لأى لغة حرف “فى” وهو en (إن) باليونانى و in بالإنجليزى.
ولكن للأسف فإن البعض مثل الدكتور جورج حبيب بباوى ورهبان دير أبى مقار يحرّفون هذه الآية عند تعرّضهم لها، ويقولون “شركاء فى الطبيعة الإلهية”.. هذا لم يقله الرسول بطرس لأنه لا يمكن إطلاقاً أن يشترك أى مخلوق فى طبيعة الله، أو فى كينونته، أو فى جوهره. ومن يدّعى ذلك يكون قد دخل فى خطأ لاهوتى خطير ضد الإيمان بالله، وبسمو جوهره وطبيعته فوق كل الخليقة. كما أن هذا الإدعاء هو لون من الكبرياء سقط فيه الشيطان من قبل حينما قال “أَصِيرُ مِثْلَ الْعَلِيِّ” (اش 14: 14).. الرب يحمينا من هذا الكبرياء المهلك.
تفسير قصد بطرس الرسول:
لم يقصد بطرس الرسول بقوله “لِكَيْ تَصِيرُوا بِهَا شُرَكَاءَ الطَّبِيعَةِ الإِلَهِيَّةِ“ (2بط1: 4)، أن هذا سوف يحدث فى هذه الحياة الحاضرة. بل كان يتكلم عن مواعيد سوف يكافأ بها القديسون الذين سوف يتكللون بالبر فى الحياة الأبدية والدليل على ذلك قوله ما يلى: “كَمَا أَنَّ قُدْرَتَهُ الإِلَهِيَّةَ قَدْ وَهَبَتْ لَنَا كُلَّ مَا هُوَ لِلْحَيَاةِ وَالتَّقْوَى، بِمَعْرِفَةِ الَّذِي دَعَانَا بِالْمَجْدِ وَالْفَضِيلَةِ، اللَّذَيْنِ بِهِمَا قَدْ وَهَبَ لَنَا الْمَوَاعِيدَ الْعُظْمَى وَالثَّمِينَةَ لِكَيْ تَصِيرُوا بِهَا شُرَكَاءَ الطَّبِيعَةِ الإِلَهِيَّةِ، هَارِبِينَ مِنَ الْفَسَادِ الَّذِي فِي الْعَالَمِ بِالشَّهْوَةِ… لِذَلِكَ بِالأَكْثَرِ اجْتَهِدُوا أَيُّهَا الإِخْوَةُ أَنْ تَجْعَلُوا دَعْوَتَكُمْ وَاخْتِيَارَكُمْ ثَابِتَيْنِ. لأَنَّكُمْ إِذَا فَعَلْتُمْ ذَلِكَ لَنْ تَزِلُّوا أَبَداً. لأَنَّهُ هَكَذَا يُقَدَّمُ لَكُمْ بِسِعَةٍ دُخُولٌ إِلَى مَلَكُوتِ رَبِّنَا وَمُخَلِّصِنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ الأَبَدِيِّ” (2بط1: 3 و10 و11).
هو يتكلم عن مواعيد لم ينلها أحد بعد وسوف تتحقق للداخلين بسعة إلى ملكوت ربنا ومخلصنا يسوع المسيح.
إن معلمنا بطرس الرسول يقصد أن حياة القداسة ضرورية لننال الوعد بميراث ملكوت الله. وهذا يقتضى الهروب من الفساد الذى فى العالم بالشهوة، والسلوك فى حياة المجد والفضائل الروحية.
وقد أكّد الرسول بطرس نفسه هذا المعنى فى رسالته الأولى بقوله “فَأَلْقُوا رَجَاءَكُمْ بِالتَّمَامِ عَلَى النِّعْمَةِ الَّتِي يُؤْتَى بِهَا إِلَيْكُمْ عِنْدَ اسْتِعْلاَنِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ. كَأَوْلاَدِ الطَّاعَةِ لاَ تُشَاكِلُوا شَهَوَاتِكُمُ السَّابِقَةَ فِي جَهَالَتِكُمْ، بَلْ نَظِيرَ الْقُدُّوسِ الَّذِي دَعَاكُمْ، كُونُوا أَنْتُمْ أَيْضاً قِدِّيسِينَ فِي كُلِّ سِيرَةٍ. لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: كُونُوا قِدِّيسِينَ لأَنِّي أَنَا قُدُّوسٌ” (1بط1: 13-16). ولكن الكتاب يقول فى تسبحة السمائيين للحمل (أى المسيح) “لأَنَّكَ وَحْدَكَ قُدُّوسٌ” (رؤ15: 4).
أما قول معلمنا بطرس الرسول “لِكَيْ تَصِيرُوا بِهَا شُرَكَاءَ الطَّبِيعَةِ الإِلَهِيَّةِ” فهو بمنتهى البساطة يقصد أن نشترك مع الله فى ملكوته الأبدى من خلال اشتراكنا فى قداسته حسب الوصية “كُونُوا قِدِّيسِينَ لأَنِّي أَنَا قُدُّوسٌ” وحتى الاشتراك فى قداسة الله هو مسألة نسبية، ليست مطلقة. فكمال الخليقة هو كمال نسبى، أما كمال الله فهو كمال مطلق. وقداسة الله قداسة طبيعية غير مكتسبة، أما قداسة القديسين فهى قداسة مكتسبة. وإلا فلماذا يقول السمائيين للسيد المسيح “لأَنَّكَ وَحْدَكَ قُدُّوسٌ” (رؤ15: 4).
إننا نشترك مع الله فى العمل مثلما قال معلمنا بولس الرسول عن نفسه وعن أبلوس “نَحْنُ عَامِلاَنِ مَعَ اللهِ” (1كو3: 9) نشترك مع الله فى الحياة الروحية مثل البركة الرسولية التى يُقال فيها {شركة وموهبة وعطية الروح القدس تكون مع جميعكم}.
وكما علّمنا قداسة البابا شنودة الثالث نيح الله نفسه ونفعنا بصلواته؛ فإن عبارة “شُرَكَاءَ الطَّبِيعَةِ الإِلَهِيَّةِ” تعنى فى العمل، فى الإرادة، فى الخلود، فى القداسة، فى الملكوت، فى السعادة الأبدية، فى الحب الذى قال عنه السيد المسيح للآب “أَيُّهَا الآبُ الْبَارُّ إِنَّ الْعَالَمَ لَمْ يَعْرِفْكَ أَمَّا أَنَا فَعَرَفْتُكَ وَهَؤُلاَءِ عَرَفُوا أَنَّكَ أَنْتَ أَرْسَلْتَنِي. وَعَرَّفْتُهُمُ اسْمَكَ وَسَأُعَرِّفُهُمْ لِيَكُونَ فِيهِمُ الْحُبُّ الَّذِي أَحْبَبْتَنِي بِهِ وَأَكُونَ أَنَا فِيهِمْ ” (يو17: 25-26).
إن السيد المسيح يقول للآب إن الحب الذى بينهما؛ من الممكن أن يكون فى التلاميذ. والمقصود نوع الحب وليس مقداره. لأن الآب غير محدود والابن غير محدود، فالحب الذى بينهما غير محدود. أما نحن فمحدودين، وننال من الحب الإلهى على قدر استطاعتنا. وبهذا توجد شركة المحبة بيننا وبين الله. ونصير شركاء الطبيعة الإلهية.. ولكن ليس شركاء فى الطبيعة الإلهية كما يتجاسر البعض ويقولون.
وقد أوردنا فى مقال سابق طويل أقوال عدد من الآباء القديسين مثل القديس أثناسيوس والقديس كيرلس الكبير والقديس باسيليوس الكبير فى شرح العقيدة السليمة وكذلك جدول مقارنة بين تعاليم الآباء وتعاليم أحد رهبان دير أبى مقار.
ونختم هذا المقال الحالى الذى أوردناه للرد على التيار الجديد الذى فوجئنا به من الراهب “سارافيم البرموسى” ومن يؤيدونه. نختم بفقرة هامة من رسالة القديس كيرلس السكندرى عامود الدين الثالثة إلى نسطور الفقرة رقم (9) والفقرة رقم (10) يوضح فيها أن حلول أقنوم الكلمة وإتحاده بالناسوت إتحاداً طبيعياً وأقنومياً يختلف تماماً عن حلول الروح القدس فى القديسين. ولا ننسى أن هذه الرسالة بالذات قد صدرت من المجمع المقدس السكندرى برئاسة القديس كيرلس وتضمنت الحروم الإثنى عشر ضد النسطورية:
الفقرة (9):
“وإذ نعترف بكل تأكيد أن الكلمة اتحد بالجسد أقنومياً، فإننا نسجد لإبن واحد الرب يسوع المسيح…
ولسنا نقول أن كلمة الله حل فى ذلك المولود من العذراء القديسة، كما فى إنسان عادى، لكى لا يُفهم أن المسيح هو “إنسان يحمل الله”. لأنه حتى إن كان “الكلمة حل بيننا” فإنه أيضاً قد قيل إن فى المسيح “يحل كل ملء اللاهوت جسدياً” (كو 2: 9). لذلك إذن نحن ندرك أنه إذ صار جسداً فلا يقال عن حلوله إنه مثل الحلول فى القديسين، ولا نحدد الحلول فيه أنه يتساوى وبنفس الطريقة كالحلول فى القديسين. ولكن الكلمة إذ اتحد “حسب الطبيعة” (kata fu,sin) ولم يتغيّر إلى جسد، فإنه حقق حلولاً مثلما يقال عن حلول نفس الإنسان فى جسدها الخاص.
الفقرة (10):
وكما قلنا سابقاً، فإن كلمة الله قد اتحد بالجسد أقنومياً (kaq‘ u`po,stasion)، فهو إله الكل ورب الجميع، وليس هو عبد لنفسه ولا سيد لنفسه.
الاتحاد الأقنومى
تعبير “الاتحاد الاقنومى” باللغة الإنجليزية هو hypostatic union وهو يعنى اتحاد طبيعتين متمايزتين إتحاداً طبيعياً فى شخص واحد. وقد استخدم القديس كيرلس الكبير هذا التعبير عن اتحاد الطبيعة الإلهية بالطبيعة البشرية فى شخص الله الكلمة، مؤكداّ أن الله الكلمة فى تجسده لم يتخذ شخصاً من البشر، ولكنه بنفس شخصه الواحد قد اتخذ الطبيعة البشرية الخاصة به بغير خطية من العذراء القديسة مريم بفعل الروح القدس، وبهذا فإن أقنوم كلمة الله المتجسد الواحد هو نتيجة إتحاد الطبيعتين فى الشخص الواحد لله الكلمة بغير اختلاط ولا إمتزاج ولا تغيير.
وينبغى أن نلاحظ أن الاتحاد الأقنومى بين اللاهوت والناسوت هو أمر يخص تجسد الله الكلمة وحده، ولا ينطبق على البشر إطلاقاً لأن حلول الروح القدس فى الإنسان هو للسكنى ومنح النعمة، أما حلول الله الكلمة فى الناسوت فهو بالاتحاد الطبيعى والأقنومى وليس مجرد سكنى لهذا قال القديس كيرلس فى رسالته الثالثة إلى نسطور (الرسالة 17 الفقرة 9): “وإذ نعترف بكل تأكيد أن الكلمة اتحد بالجسد أقنومياً، فإننا نسجد لإبن واحد الرب يسوع المسيح… ولسنا نقول أن كلمة الله حل فى ذلك المولود من العذراء القديسة، كما فى إنسان عادى، لكى لا يُفهم أن المسيح هو “إنسان يحمل الله”. لأنه حتى إن كان “الكلمة حل بيننا” فإنه أيضاً قد قيل إن فى المسيح “يحل كل ملء اللاهوت جسدياً” (كو 2: 9). لذلك إذن نحن ندرك أنه إذ صار جسداً فلا يقال عن حلوله إنه مثل الحلول فى القديسين، ولا نحدد الحلول فيه أنه يتساوى وبنفس الطريقة كالحلول فى القديسين. ولكن الكلمة إذ اتحد “حسب الطبيعة” ولم يتغيّر إلى جسد، فإنه حقق حلولاً مثلما يقال عن حلول نفس الإنسان فى جسدها الخاص.”
وينبغى أن نلاحظ أن القديس كيرلس قد استخدم تشبيه اتحاد روح الإنسان بجسده ليشرح كيف كوّن اللاهوت والناسوت طبيعة واحدة فى الاتحاد. وعاد فأكد ذلك فى رسالته إلى فالريان أسقف إيقونية (الرسالة 50 الفقرة 6) فقال: “يُعتَرَف أن أقنوم hypostasis الإنسان هو واحد وأن طبيعته واحدة، حتى بالرغم من أنه معروف عنها أنها مكونة من عناصر مختلفة متباينة الأنواع. لأن من المعروف أن الجسد من طبيعة مختلفة عن النفس، لكنه جسد النفس، ويكمّل أقنوم الإنسان الواحد. ورغم أن الفرق المذكور بين النفس والجسد ليس غامضاً فى عقلنا وتفكيرنا. إلا أن إجتماعهما معاً أو تقابلهما –لأنه غير مقسّم- يكوّن إنسان واحد حى.
إذاً لم يأت (يظهر) كلمة الله الوحيد الجنس كإنسان بأن أخذ إنساناً، بل -رغم أنه مولود بطريقة غير موصوفة من الله الآب- تأنس.”
الإتحاد الأقنومى فى تعليم القديس كيرلس الكبير
أوردنا سابقاً فى العدد 5، 6 بتاريخ 8/2/2013 نص الفقرة (9) من رسالة القديس كيرلس الكبير الثالثة إلى نسطور وفيها شرح أن “الاتحاد الأقنومى” فى تجسد الله الكلمة هو “إتحاد طبيعى” أى “حسب الطبيعة” (كاتا فيزين) بين لاهوته وناسوته، وفى العدد 45، 46 بتاريخ 22/11/2013 نص الفقرة (7) من نفس الرسالة والتى فيها يؤكد أن الكلمة المتجسد ليس من شخصين بل هو بنفس شخصه قد صار جسداً، ونضيف أقوالاً أخرى لنفس القديس حول “الاتحاد الأقنومى” الذى يعنى “إتحاد طبيعتين متمايزتين إتحاداً طبيعياً فى شخص واحد”:
الفقرة 3 من الرسالة رقم 4 وهى الرسالة الأولى لنسطور:
“ولذلك قال المجمع المقدس العظيم (مجمع نيقية) أن الإبن الوحيد الجنس نفسه مولود من الله الآب حسب الطبيعة، الإله الحق من إله حق، النور الذى من النور، وهو الذى به صنع الآب كل الأشياء، نزل، وتجسد وتأنس، وتألم، وقام فى اليوم الثالث وصعد إلى السموات. وينبغى علينا أن نتبع التعاليم والعقائد، مدركين ماذا يعنى أنه تجسد. تدل هذه اللفظة على أن الكلمة الذى من الله، تأنس. ونحن لا نقول أن طبيعة الكلمة تغيرت حينما صار جسداً. وأيضاً نحن لا نقول أن الكلمة قد تغير إلى إنسان كامل من نفس وجسد. بل بالأحرى نقول أن الكلمة قد “وحّد مع نفسه أقنومياً”، جسداً مُحياً بنفس عاقلة، وصار إنساناً بطريقة لا يمكن التعبير عنها أو إدراكها. وهو قد دُعى ابن الإنسان ليس بحسب الرغبة فقط ولا بحسب الإرادة الصالحة، بل أيضاً ليس باتخاذه شخصاً معيناً. ونحن نقول أنه على الرغم أن الطبيعتين اللتين اجتمعتا معاً فى وحدة حقيقية مختلفتان، فإنه يوجد مسيح واحد وابن واحد من الإثنين. إن اختلاف الطبائع لم يبطل بسبب الاتحاد، بل بالحرى فإن هذا الاتحاد الذى يفوق الفهم والوصف كون لنا من اللاهوت والناسوت رباً واحداً يسوع المسيح وإبناً واحداً.”
الفقرة 4 من نفس الرسالة:
“وهكذا فرغم أن له وجوداً قبل الدهور وقد وُلد من الآب، فإنه يقال أيضاً إنه ولد حسب الجسد من إمرأة، كما أن طبيعته الإلهية لا تحتاج لنفسها بالضرورة إلى ولادة أخرى بعد الولادة من الآب. إن القول بأن ذلك الذى هو موجود قبل كل الدهور وهو أزلى مع الآب، يحتاج إلى بداية ثانية لكى يوجد، إنما هو أمر بلا غاية وفى نفس الوقت هو قول أحمق. ولكن حيث إنه من أجلنا ومن أجل خلاصنا “وحّد الطبيعة البشرية بنفسه أقنومياً”، وولد من إمرأة، فإنه بهذه الطريقة يقال إنه قد ولد جسدياً. لأنه لم يولد أولاً إنساناً عادياً من العذراء القديسة ثم بعد ذلك حلّ عليه الكلمة، بل إذ قد اتحد بالجسد الذى من أحشائها، فيقال إن الكلمة قد قَبِلَ الولادة الجسدية، لكى ينسب إلى نفسه ولادة جسده الخاص.”
بقلم الأنبا بيشوى